وقوله : { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } أمر آخر له صلى الله عليه وسلم ولفظ { وَرَبَّكَ } منصوب على التعظيم لفعل { كبر } قدم على عاملة لإِفادة التخصيص .
أى : يأيها المدثر بثيابه لخوفه مما رآه من ملك الوحى ، لا تخف ، وقم فأنذر الناس من عذاب الله ، إذا ما استمروا فى شركهم ، واجعل تكبيرهم وتعظيمك وتبجيلك لربك وحده ، دون أحد سواه ، وصفه بما هو أهله من تنزيه وتقديس .
ثم يوجه الله رسوله في خاصة نفسه بعد إذ كلفه نذارة غيره :
يوجهه إلى تكبير ربه : ( وربك فكبر ) . . ربك وحده . . فهو وحده الكبير ، الذي يستحق التكبير . وهو توجيه يقرر جانبا من التصور الإيماني لمعنى الألوهية ، ومعنى التوحيد .
إن كل أحد ، وكل شيء ، وكل قيمة ، وكل حقيقة . . صغير . . والله وحده هو الكبير . . وتتوارى الأجرام والأحجام ، والقوى والقيم ، والأحداث والأحوال ، والمعاني والأشكال ؛ وتنمحي في ظلال الجلال والكمال ، لله الواحد الكبير المتعال .
وهو توجيه للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ليواجه نذارة البشرية ، ومتاعبها وأهوالها وأثقالها ، بهذا التصور ، وبهذا الشعور ، فيستصغر كل كيد ، وكل قوة ، وكل عقبة ، وهو يستشعر أن ربه الذي دعاه ليقوم بهذه النذارة ، هو الكبير . . ومشاق الدعوة وأهوالها في حاجة دائمة إلى استحضار هذا التصور وهذا الشعور .
وربك فكبر وخصص ربك بالتكبير وهو وصفه بالكبرياء عقدا وقولا روي أنه لما نزل كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيقن أنه الوحي وذلك لأن الشيطان لا يأمر بذلك والفاء فيه وفيما بعده لإفادة معنى الشرط وكأنه قال وما يكن فكبر ربك أو الدلالة على أن المقصود الأول من الأمر بالقيام أن يكبر ربه عن الشرك والتشبيه فإن أول ما يجب معرفة الصانع وأول ما يجب بعد العلم بوجوده تنزيهه والقوم كانوا مقرين به .
انتصب { ربّك } على المفعولية لفعل ( كَبِّر ) قُذم على عامله لإِفادة الاختصاص ، أي لا تكبر غيره ، وهو قصر إفراد ، أي دون الأصنام .
والواو عطَفت جملة { ربَّك فكبر } على جملة { قم فأنذر } [ المدثر : 2 ] .
ودخلت الفاء على ( كَبّر ) إيذاناً بشرطٍ محذوف يكون ( كَبِّر ) جوابه ، وهو شرط عام إذ لا دليل على شرط مخصوص وهُيِّىء لِتقدير الشرط بتقديم المفعول . لأن تقديم المعمول قد ينزل منزلة الشرط كقول النبي صلى الله عليه وسلم " ففيهما فجاهد " ( يعني الأبوين ) .
فالتقدير : مهمْا يكن شيء فكبّرْ ربّك .
والمعنى : أن لا يفتر عن الإِعلان بتعظيم الله وتوحيده في كُل زمان وكل حال وهذا من الإِيجاز . وجوز ابن جني أن تكون الفاء زائدة قال : هو كقولك زيداً فاضرب ، تُريد : زيداً اضرب .
وتكبير الرب تعظيمه ففعل ( كبّر ) يفيد معنى نسبة مفعوله إلى أصل مادة اشتقاقه وذلك من معاني صيغة فَعَّل ، أي أخبر عنه بخبر التعظيم ، وهو تكبير مجازي بتشبيه الشيء المعظَّم بشيء كبير في نوعه بجامع الفضل على غيره في صفات مثله .
فمعنى { وربَّك فكبِّر } : صِف ربّك بصفات التعظيم ، وهذا يشمل تنزيهه عن النقائص فيشمل توحيده بالإلهية وتنزيهه عن الولد ، ويشمل وصفه بصفات الكمال كلها .
ومعنى ( كبِّر ) : كبره في اعتقادك : وكبره بقولك تسبيحاً وتعليماً . ويشمل هذا المعنى أن يقول : « الله أكبر » لأنه إذا قال هذه الكلمة أفاد وصف الله بأنه أكبر من كل كبير ، أي أجلّ وأنزه من كل جليل ، ولذلك جعلت هذه الكلمة افتتاحاً للصلاة .
وأحسب أن في ذكر التكبير إيماء إلى شرع الصلاة التي أولها التكبير وخاصة اقترانه بقوله : { وثيابك فطهر } [ المدثر : 4 ] فإنه إيماء إلى شرع الطهارة ، فلعل ذلك إعداد لشرع الصلاة . ووقع في رواية معمر عن الزهري عند مسلم أن قال : وذلك قبل أن تفرض الصلاة . فالظاهر أن الله فرض عليه الصلاة عقب هذه السورة وهي غير الصلوات الخمس فقد ثبت أنه صلى في المسجد الحرام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.