السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ} (3)

{ وربك } أي : خاصة { فكبر } أي : عظمه عما يقول عبدة الأوثان وصفه بأنه أكبر من أن تكون له صاحبة أو ولد ، وفي الحديث أنهم قالوا بم تفتتح الصلاة ؟ فنزل { وربك فكبر } أي : صفه بأنه أكبر . قال ابن العربي : وهذا القول وإن كان يقتضي بعمومه تكبير الصلاة ، فإنه يرادفه تكبير التقديس والتنزيه بخلع الأنداد والأصنام دونه ولا يتخذ ولياً غيره ولا يعبد سواه .

وروي أنّ أبا سفيان قال يوم أحد : اعل هبل وهو اسم صنم كان لهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا الله أعلى وأجل ، وقد صار هذا اللفظ بعرف الشرع في تكبير العبادات كلها أذاناً وصلاة وذكراً يقول : الله أكبر ، وحمل عليه لفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم الوارد على الإطلاق مواردها منها قوله : «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم » ، والشرع يقتضي بعرفه ما يقتضي بعزمه . ومن موارده أوقات الإهلال بالله تعالى تخليصاً له من الشرك وإعلاماً باسمه بالنسك وإفراداً لما شرع من أمره بالنسك ، والمنقول عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في التكبير في الصلاة هو لفظ الله أكبر .

وقال المفسرون : لما نزل قوله تعالى { وربك فكبر } قام النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال : «الله أكبر » فكبرت خديجة رضي الله تعالى عنها وفرحت وعلمت أنه وحي من الله تعالى » ذكره القشيري ، وقال مقاتل : هو أن يقال الله أكبر وقيل : المراد منه التكبير في الصلاة ، واستشكل ذلك على القول بأنها أوّل سورة نزلت ، فإنّ الصلاة لم تكن فرضت . وأجيب : بأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان له صلوات تطوّع فأمر أن يكبر فيها .

تنبيه : دخلت الفاء في قوله تعالى { فكبر } وفيما بعده لإفادة معنى الشرط كأنه قيل : وما يكن فكبر ربك أو للدلالة على أنّ المقصود الأوّل من الأمر بالقيام أن يكبر ربه عن الشرك والتشبيه ، فإنّ أوّل ما يجب معرفة الصانع ، وأوّل ما يجب بعد العلم بوجوده تنزيهه والقوم كانوا مقرّين به .