اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ} (3)

قوله : { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } ، قدم المفعول ، وكذا ما بعد ، إيذاناً بالاختصاص عند من يرى ذلك ، أو للاهتمام به .

قال الزمخشري : «واختص ربَّك بالتكبير » .

ثم قال : «ودخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل : ومهما تكن فلا تدع تكبيره » وقد تقدم الكلام في مثل هذه الفاء في البقرة عند قوله تعالى : { وَإِيَّايَ فارهبون }[ البقرة : 40 ] .

قال أبو حيان : «وهو قريب مما قدره النحاة في قولك : " زيداً فاضرب " ، قالوا : تقديره : " تنبَّهْ فاضرب زيداً " فالفاء هي جواب الأمر ، وهذا الأمر إما مضمن معنى الشرط ، وإما الشرط محذوف على الخلاف الذي فيه عند النحاة » .

قال أبو الفتح الموصلي : يقال : «زيداً اضرب ، وعمراً اشكر » وعنده أن الفاء زائدة .

وقال الزجاج : ودخلت الفاء لإفادة معنى الجزائية ، والمعنى : قم فكبِّر ربَّك ، وكذلك ما بعده .

فصل في معنى الآية

معنى قوله : { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } ، أي سيدك ومالكك ومصلح أمرك فعظمه ، وصفه بأنه أكبر من أن يكون له صاحبة ، أو ولد ، وفي الحديث : أنهم قالوا : بم تفتتح الصلاة ؟ فنزلت : { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ }{[58445]} . أي : صفه بأنه أكبر .

قال ابن العربي : وهذا القول وإن كان يقتضي بعمومه تكبير الصلاة فإنه مراد به تكبيره بالتقديس ، والتنزيه بخلع الأنداد ، والأصنام دونه ، ولا تتخذ ولياً غيره ، ولا تعبد سواه ، وروي «أن أبا سفيان قال يوم أحد : " أعْلُ هُبَل " ، فقال : صلى الله عليه وسلم " قُولُواْ اللَّهُ أعْلَى وأجَلُّ " {[58446]} ، وقد صار هذا القول بعرف الشرع في تكثير العبادات كلها أذاناً ، وصلاة بقوله " اللَّهُ أكبرُ " وحمل عليه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم الوارد على الإطلاق في موارد منها قوله : " تَحْريمُهَا التَّكبيرُ ، وتحْلِيلُهَا التَّسلِيمُ " {[58447]} ، والشَّرعُ يقتضي معرفة ما يقتضي بعمومه ، ومن موارده أوقات الإهلال بالذبائح تخليصاً له من الشرك ، وإعلاناً باسمه بالنسك ، وإفراداً لما شرع من أمره بالسفك .

والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير في الصلاة هو لفظ " اللَّهُ أكبَرُ " .

وقال المفسرون : لما نزل قوله تعالى : { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال : اللَّهُ أكبر ، فكبرت خديجة - رضي الله عنها - وعلمت أنه وحي من الله تعالى ذكره القشيري .

وقال الكلبيُّ : فعظم ربَّك عما يقوله عبدة الأوثان{[58448]} .

قال مقاتل : هو أن يقال : الله أكبر{[58449]} .

وقيل : المرادُ منه التكبير في الصلاة .

فإن قيل : هذه السورة نزلت في أول البعث ، ولم تكن الصلاة واجبة .

فالجواب : لا يبعد أنه كانت له - عليه الصلاة والسلام - صلوات تطوع فأمر أن يُكبِّر ربَّه فيها قال ابن الخطيب{[58450]} : وعندي أنه لما قيل له : { قُمْ فَأَنذِرْ } قيل بعد ذلك { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } عن اللغو والرفث .


[58445]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/451) وعزاه إلى ابن مردويه عن أبي هريرة.
[58446]:تقدم.
[58447]:أخرجه أبو داود (1/49) كتاب الطهارة: باب فرض الطهارة حديث (61) والترمذي (1/8-9) كتاب الطهارة: باب مفتاح الصلاة الطهور وابن ماجه (1/101) كتاب الطهارة: باب مفتاح الصلاة الطهور حديث (275) والشافعي في الأم (1/100) كتاب الصلاة: باب ما يدخل به في الصلاة من التكبير، وأحمد (1/123، 129) والدارمي (1/175) كتاب الوضوء: باب مفتاح الصلاة الطهور.
[58448]:ذكره الرازي في "تفسيره" (30/168).
[58449]:ينظر المصدر السابق.
[58450]:ينظر الفخر الرازي 30/168.