وقوله - تعالى - : { وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً } بيان لسوء عاقبة المجرمين بعد بيان ما أعده الله للمتقين من نعيم .
و { وِرْداً } أى : عطاشا . وأصل الورد الإتيان إلى الماء بقصد الارتواء منه بعد العطش الشديد .
أى : ونسوق المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم فى دنياهم ، نسوقهم سوقا إلى جهنم كما تساق البهائم . حالة كونهم عطاشا ، يبحثون عن الماء فلا يجدونه .
وقوله : وَنَسُوقُ المُجْرِمينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا يقول تعالى ذكره : ونسوق الكافرين بالله الذين أجرموا إلى جهنم عطاشا . والوِرد : مصدر من قول القائل : وردت كذا أرِده وِردا ، ولذلك لم يجمع ، وقد وصف به الجمع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَنَسُوقُ المُجْرِمينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا يقول : عطاشا .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة ، عن إسماعيل ، عن رجل ، عن أبي هريرة وَنَسُوقُ المُجْرِمينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا قال : عطاشا .
حدثني يعقوب والفضل بن صباح ، قالا : حدثنا إسماعيل بن عُلَيّة ، عن أبي رجاء ، قال : سمعت الحسن يقول في قوله : وَنَسُوقُ المُجْرِمينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا قال : عطاشا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن يونس ، عن الحسن ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : إلى جَهَنّمَ وِرْدا قال : ظماء إلى النار .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَنَسُوقُ المُجْرِمينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا سوقوا إليها وهم ظمء عطاش .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : سمعت سفيان يقول في قوله : وَنَسُوقُ المُجْرِمينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا قال : عطاشا .
السوق : تسيير الأنعام قُدام رعاتها ، يجعلونها أمَامهم لترهب زجرهم وسياطهم فلا تتفلّت عليهم ، فالسوق : سير خوفٌ وحذر .
وقوله { ورداً } حال قصد منها التشبيه ، فلذلك جاءت جامدة لأن معنى التشبيه يجعلها كالمشتق .
والوِرد بكسر الواو : أصله السير إلى الماء ، وتسمى الأنعامُ الواردة وِرداً تسمية على حذف المضاف ، أي ذات ورد ، كما يسمى الماء الذي يرده القوم ورداً . قال تعالى : { وبئس الورد المورود } [ هود : 98 ] .
والاستثناء في { إلاّ من اتخذ عند الرحمان عهداً } استثناء منقطع ، أي لكن يملك الشفاعة يومئذ من اتخذ عند الرحمان عهداً ، أي من وعده الله بأن يشفع وهم الأنبياء والملائكة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ونسوق الكافرين بالله الذين أجرموا إلى جهنم عطاشا...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا}؛ الوارد هو طالب الماء، والورد الجمع. فكأنه قال: ونسوق المجرمين إلى جهنم عطاشا طلاب الماء على ما قاله أهل التأويل. والمجرم: قال أبو بكر الأصم: هو الوثاب في المعصية. وأصل الإجرام الاكتساب، ولهذا 8 قال بعض الناس في قوله: {ولا يجرمنكم شنئان قوم} [المائدة: 2 و8] أي يكسبنكم. وأصله هو كسب الإثم.
وقوله تعالى: {ونسوق المجرمين} فيه أنهم إنما يساقون على كره منهم، إذ ذكر في الكافرين السوق، وذكر في المؤمنين الجمع والحشر.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
فأولئك [المتقون] يُساقون بوصف العِزَّ، وهؤلاء [المجرمون] يُساقون بنعت الذُّلِّ، فيجمعهم في السَّوْقِ، ولكن يُغَاير بينهم في معانيه...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وذكر الكافرون بأنهم يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء. والورود: العطاش لأنّ من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وحقيقة الورد: المسير إلى الماء...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و «السَّوْق» يتضمن هواناً لأنهم يحفزون من ورائهم، و «الِورد» العطاش، قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن، وهم القوم الذين يحتفزون من عطشهم لورود لماء...
أما قوله: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا} فقوله: {نسوق} يدل على أنهم يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء، والورد اسم للعطاش، لأن من يرد الماء لا يرده إلا للعطش. وحقيقة الورود السير إلى الماء فسمي به الواردون.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
السوق: تسيير الأنعام قُدام رعاتها، يجعلونها أمَامهم لترهب زجرهم وسياطهم فلا تتفلّت عليهم، فالسوق: سير خوفٌ وحذر. وقوله {ورداً} حال قصد منها التشبيه، فلذلك جاءت جامدة لأن معنى التشبيه يجعلها كالمشتق. والوِرد بكسر الواو: أصله السير إلى الماء، وتسمى الأنعامُ الواردة وِرداً تسمية على حذف المضاف، أي ذات ورد، كما يسمى الماء الذي يرده القوم ورداً. قال تعالى: {وبئس الورد المورود} [هود: 98]...
ونسوق: والسائق يكون من الخلف ينهرهم ويزجرهم، كما جاء في قوله تعالى: {يوم يدعون إلى نار جهنم دعا "13 "} (سورة الطور): ولم يقل مثلاً: نقودهم؛ لأن القائد يكون من الأمام، وربما غافله أحدهم وشرد منه. وقوله تعالى: {ورداً} الورد: هو الذهاب للماء لطلب الري، أما النار فمحل اللظى والشواظ واللهب والحميم، فلماذا سمى إتيان النار بحرها ورداً؟ هذا تهكم بهم...