اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَنَسُوقُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرۡدٗا} (86)

قوله : { يَوْمَ نَحشُرُ } منصوب ب " سَيَكْفُرون " ، أو ب " يَكونُونَ " عليْهِمْ ضدًّا " أو ب " نَعُد {[22563]} " {[22564]} لأن " نَعُدُّ " تضمن معنى المجازاة ، أو بقوله : { لا يَمْلِكُونَ }{[22565]} الذي بعده ، أو بمضمر وهو " اذكُرْ " أو " احْذَرْ " {[22566]} .

وقيل : هو معمول لجواب سؤال مقدر كأنه قيل : " متى يكون ذلك ؟ فقيل " {[22567]} : يكون يوم نحشر{[22568]} . وقيل : تقديره : يوم نحشر ونسوق : نفعل بالفريقين ما لا يحيط به الوصف{[22563]} .

قوله{[22564]} : { وفداً } نصب على الحال{[22565]} ، وكذا " {[22566]} ورْداً " .

والوَفْدُ : الجماعة الوافدون ، يقال : وَفَدَ يَفِدُ وَفْداً ووفوداً وفَادَةً ، أي : قدم على سبيل التكرمة{[22567]} ، فهو{[22568]} في الأصل مصدر ثم أطلق على الأشخاص كالضيف .

وقال أبو البقاء : وفد{[7]} جمع وافد مثل راكب ورَكْب ، وصاحب وصَحْب{[8]} .

وهذا الذي قاله ليس مذهب سيبويه{[9]} ، لأن فاعلاً لا يجمع على فعل عند سيبويه . وأجازه الأخفش{[10]} .

فأمَّا{[11]} رَكْب وصَحْب فاسما جمع لا جمع بدليل تصغيرها على ألفاظها ، قال :

أخْْشَى رجَيْلاً وَرُكَيْباً{[12]} عَاديَا{[13]} *** . . .

فإن قيل : لعل أبا البقاء أراد الجمع اللغوي .

فالجواب : أنه قال بعد قوله هذا : والوِرْد اسم لجمع وارد{[14]} . فدل على أنه قصد الجمع صناعة المقابل لاسم الجمع . والوِرْد اسم للجماعة العطاش الواردين{[15]} للماء ، وهو أيضاً في الأصل{[16]} مصدر أطلق{[17]} على الأشخاص ، يقال : وَرَد الماء يردُه وِرْداً وورُوداً{[18]} ، قال الشاعر :

رِدِي رِدِي{[19]} وِرْدَ قَطَاةٍ صَمًّا *** كَدريَّةٍ أعْجَبْهَا بَرْدَ الْمَا{[20]}

وقال أبو البقاء : هو اسم لجمع وارد ، " وقيل : هو بمعنى وارد " {[21]} وقيل : هو محذوف من وراد ، وهو بعيد{[22]} . يعني أنه يجوز أن يكون صفة على فَعْل . وقرأ الحسن والجحدري " يُحْشَرُ المتَّقُونَ " {[23]} " ويُسَاقُُ المُجْرِمُون " على ما لم يسم فاعله{[24]} .

فصل

قال المفسرون : اذكر لهم يا محمد{[25]} اليوم الذي يجمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى الرحمن إلى جنته وفْداً ، أي جماعات ، جمع وافد مثل راكب ورَكْب وصاحب وصَحْب . وقال ابن عباس : رُكْبَاناً : وقال أبو هريرة : على الإبل .

وقال علي بن أبي طالب- " رضي الله عنه " {[26]} - : ما يُحْشَرون والله على أرجلهم ، ولكن على نوق رجالها الذهب ، ونجائب سروجها ياقوت{[27]} إن هموا بها سارت وإنْ همُّوا طارت .

{ وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً } أي : مُشاة ، وقيل : عطاشاً قد تقطعت أعناقهم من العطش{[22575]} .

وقوله { ونَسُوق المجرمينَ } يدل على أنهم يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم عطاش تساق إلى الماء ، والوِرْدُ للعطاش{[22576]} وحقيقة الوِرْد الميسرُ إلى الماء ، فسمي به " الواردون{[22577]} " {[22578]} .

فصل

طعن الملاحدة{[22579]} في قوله : { يَوْمَ نَحْشُرُ المتقين إِلَى الرحمن } فقالوا : هذا إنما يستقيم أن لو كان الحشر عند غير الرحمن{[22580]} ، أما إذا كان الحشر عند الرحمن ، فهذا الكلام لا ينتظم . وأجاب المسلمون : بأنَّ التقدير : يوم نحشرُ المتقِّين إلى محلِّ كرامةِ الرحمن .


[7]:تقدم.
[8]:ينظر: تفسير القرطبي (20/93).
[9]:سقط من: ب.
[10]:الجامع لأحكام القرآن 20/91.
[11]:سقط في ب.
[12]:سقط في ب.
[13]:ستأتي في "المؤمنون" 1 وينظر: شرح الطيبة 4/ 145.
[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.
[16]:ينظر: الدر المصون 2/35.
[17]:ينظر: السبعة 200، والكشف 1/334، والحجة، 3/6 والبحر المحيط 2/389، والدر المصون 2/5.
[18]:قال سيبويه 3/25 "فإن قلت: ما بالي أقول: واحد اثنان، فأشم الواحد، ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأن الواحد اسم متمكن، وليس كالصوت، وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج...".
[19]:ينظر: المشكل 1/ 123.
[20]:ينظر: الكتاب 2/107.
[21]:ينظر: البحر المحيط 2/391.
[22]:سقط في ب.
[23]:ينظر: الدر المصون 2/6.
[24]:ينظر ديوانه ص 216، ولسان العرب (ثور)، وخزانة الأدب 7/210، ورصف المباني ص 41 والمصنف 1/68، والدر المصون 2/6.
[25]:قرأ بها عيسى بن عمر كما في الشواذ 129، وستأتي في سورة "ص" آية 1،2.
[26]:تقدمت.
[27]:سقط في أ.
[22563]:انظر البيان 2/136، التبيان 2/882، البحر المحيط 6/216.
[22564]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22565]:من الآية (87). انظر الكشاف 2/434، البيان 2/136، التبيان 2/882، البحر المحيط 6/216.
[22566]:انظر الكشاف 2/423، تفسير ابن عطية 9/533-534، التبيان 2/882، البحر المحيط 6/216.
[22567]:ما بين القوسين سقط من ب.
[22568]:انظر البحر المحيط 6/216.

[22575]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/400-402.
[22576]:في ب: والوارد للعطش.
[22577]:انظر الفخر الرازي 21/253..
[22578]:ما بين القوسين في ب: الواردين.
[22579]:في ب: الملحدون.
[22580]:انظر الفخر الرازي 21/253.