الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَنَسُوقُ ٱلۡمُجۡرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرۡدٗا} (86)

وكذلك سوقُ المجرمين إنما هو لدخُولِ النَّارِ . و{ وَفْداً } قال المفسرون : معناه رُكْباناً ، وهي عادةُ الوفود لأَنهم سَرَاةُ الناسِ ، وأَحسنهم شَكْلاً ، وإنما شَبَّههم بالوفْدِ هيئة ، وكرامة ، وروي عن عَلِيِّ رضي اللّه عنه أَنهم يَجِيئُونَ رُكْباناً على النُّوقِ المحلاَّة بحِلْيةِ الجنَّة : خطمُها من يَاقُوتٍ ، وزَبَرْجَدٍ ، ونحو هذا . وروى عمرو بْنُ قيس المَلاَّئِي : أنهم يركبون على تماثيل مِنْ أَعمالهم الصَّالِحة ، وهي في غَاية الحُسْن ، وروي : أَنه يركب كُلُّ واحدٍ منهم ما أَحبَّ فمنهم : مَنْ يركبُ الإبلَ ، ومنهم : مَنْ يركب الخَيْلَ ، ومنهم مَنْ يركب السُّفُنَ ، فتجيء عَائِمةٌ بهم ، وقد ورد في «الضَّحَايَا » : أَنها مَطَايَاكُمْ إلَى الجَنَّةِ وأَكْثَر هذه فيها ضَعْفٌ مِنْ جهة الإِسْناد . والسَّوْقُ : يتضمن هَوَاناً ، والورودُ : العطاش ، قاله ابن عباس وأَبُو هريرة ، والحَسَنُ . واختُلِفَ في الضَّمِير في قوله : { لاَّ يَمْلِكُونَ } [ مريم : 87 ] .

فقالت فِرْقةٌ : هو عائد على { المجرمين } أي : لا يملكون أَنْ يَشْفَعَ لهم وعلى هذا فالاِسْتِثْنَاءُ مُنقَطِع ، أيْ : لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً يشفعُ له ، والعهدُ عَلَى هذا الأَيْمان ، وقال ابنُ عباسٍ : العهدُ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللّهُ ، وفي الحدِيث : يقول اللّهُ تعالى يَوْمَ القِيَامة : ( مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي عَهْدٌ ، فَلْيَقُمْ ) . قال ( ع ) : ويحتمل : أَنْ يكون المجرمون يعمُّ الكَفَرَةَ والعُصَاة ، أيْ : إلاَّ من اتخذ عند الرحمن عَهْداً من عُصَاةِ المؤْمِنِينَ فإنه يشفع لهم ، ويكون الاِسْتِثْناء مُتَّصِلاً . وقالت فِرْقَةٌ : الضميرُ في { لاَّ يَمْلِكُونَ } للمتقين .

وقوله : { إِلاَّ مَنِ اتخذ } الآية أيْ : إلاَّ من كان له عملٌ صَالِحٌ مبرورٌ [ فيشفَعُ ] فيُشَفَّع ، وتحتملُ الآية أَنْ يُرادَ ب«مَنْ » النبي صلى الله عليه وسلم وبالشَّفَاعَة الخاصَّة له العامة في أَهل الموقِفِ .