ثم حكى - سبحانه - جانبا من أقوال المشركين يوم القيامة ، ومن أحوالهم السيئة ، ورد أمرهم وأمر غيرهم إليه وحده - عز وجل- فقال : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ . . . } .
الظرف فى قوله - سبحانه - : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ } منصوب بفعل مقدر ، ونداؤهم نداء إهانة وتحفير . والنداء صادر عن الله - تعالى - .
أى : واذكر - أيها المخاطب - لتتعظ وتعتبر ، حال أولئك الظالمين ، يوم يناديهم الله - تعالى - فيقول لهم : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } أى : أين شركائى الذين كنتم فى الدنيا تزعمونهم شركائى ، لكى ينصروكم أو يدفعوا عنكم العذاب .
فمفعولا { تَزْعُمُونَ } محذوفان ، لدلالة الكلام عليهما . والمقصود بهذا الاستهفام { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } الخزى والفضيحة ، إذ من المعلوم أنه لا شركاء لله - تعالى - لا فى ذاته ولا فى صفاته .
وعندما يصل بهم إلى الشاطىء الآخر يجول بهم جولة أخرى في مشهد من مشاهد القيامة ، يصور مغبة ما هم فيه من الشرك والغواية :
ويوم يناديهم فيقول : أين شركائي الذين كنتم تزعمون ? قال الذين حق عليهم القول : ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا ، تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون . وقيل : ادعوا شركاءكم . فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ، ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون .
ويوم يناديهم فيقول : ماذا أجبتم المرسلين ? فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون . فأما من تاب وآمن وعمل صالحا ، فعسى أن يكون من المفلحين . .
والسؤال الأول للتوبيخ والتأنيب :
( أين شركائي الذين كنتم تزعمون ? ) . .
والله يعلم أن لا وجود اليوم لهؤلاء الشركاء ، وأن أتباعهم لا يعلمون عنهم شيئا ، ولا يستطيعون إليهم سبيلا . ولكنه الخزي والفضيحة على رؤوس الأشهاد .
يقول تعالى مخبرًا عما يوبخ به الكفار المشركين يوم القيامة ، حيث يناديهم فيقول : { أَيْنَ شُرَكَائي الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ }
يعني : أين الآلهة التي كنتم تعبدونها في الدار الدنيا ، من الأصنام والأنداد ، هل ينصرونكم أو ينتصرون ؟ وهذا على سبيل التقريع والتهديد ، كما قال : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } [ الأنعام : 94 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * قَالَ الّذِينَ حَقّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبّنَا هََؤُلآءِ الّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوَاْ إِيّانَا يَعْبُدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ويوم ينادي ربّ العزّة الذين أشركوا به الأنداد والأوثان في الدنيا ، فيقول لهم : أيْنَ شُرَكائِيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أنهم لي في الدنيا شركاء ؟ قالَ الّذِينَ حَقّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ يقول : قال الذين وجب عليهم غضب الله ولعنته ، وهم الشياطين الذين كانوا يُغْوُون بني آدم : رَبّنا هَؤلاءِ الّذِينَ أغْوَيْنا ، أغْوَيْناهُمْ كمَا غَوَيْنا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله هَؤُلاءِ الّذِينَ أغْوَيْنا ، أغْوَيْناهُمْ كمَا غَوَيْنا قال : هم الشياطين .
وقوله : تَبرّأنا إلَيْكَ يقول : تبرأنا من وَلايتهم ونُصْرتهم إليك ما كانُوا إِيّانَا يَعْبُدُونَ : يقول : لم يكونوا يعبدوننا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ويوم يناديهم} يعني: كفار مكة {فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} في الدنيا أن معي شريكا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ويوم ينادي ربّ العزّة الذين أشركوا به الأنداد والأوثان في الدنيا، فيقول لهم:"أيْنَ شُرَكائِيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ" أنهم لي في الدنيا شركاء؟
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{شركائي الذين} في زعمكم أنهم شركائي حين أشركتموهم في العبادة وتسمية الألوهية. وإلا لم يكن لله شريك {فيقول أين شركائي الذين} زعمتم أنهم شركائي؟ ثم قوله: {أين شركائي} إنما يقول لهم لقولهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] وقولهم: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18] فيقول: أين شفاعة من زعمتم أنهم شفعاؤكم عند الله؟ وأين قربتكم وزلفاكم بعبادتكم إياها زعمتم أن عبادتكم إياها تقربكم إلى الله زلفى؟ أين ذلك لكم منهم؟
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وتقديره: واذكر يوم ينادي الله الكفار، وهو يوم القيامة "فيقول "لهم على وجه التوبيخ لهم والتقريع "أين الذين" اتخذتموهم شركائي فعبدتموهم معي على قولكم وزعمكم.
لما ثبت أن الكفار يوم القيامة قد عرفوا بطلان ما كانوا عليه وعرفوا صحة التوحيد والنبوة بالضرورة فيقول لهم أين ما كنتم تعبدونه وتجعلونه شريكا في العبادة وتزعمون أنه يشفع؟ أين هو لينصركم ويخلصكم من هذا الذي نزل بكم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان اليوم وإن كان واحداً يتعدد بتعدد أوصافه، بما يقع في أثنائه وأضعافه، على يوم القيامة تهويلاً لأمره، وتعظيماً لخطره وشره، قوله مقرراً لعجز العباد، عن شيء من الإباء في يوم العباد: {ويوم يناديهم} أي ينادي الله هؤلاء الذين يغرون بين الناس ويصدون عن السبيل، ويتعللون في أمر الإيمان، وتوحيد المحسن الديان {فيقول} أي الله: {أين شركاءي} أي من الأوثان وغيرهم؛ ثم بين أنهم لا يستحقون هذا الاسم بقوله: {الذين كنتم} أي كوناً أنتم عريقون فيه {تزعمون} ليدفعوا عنكم أو عن أنفسهم.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
بعد أن ذكر أن التمتع بزينة الدنيا وزخرفها دون طاعة الله وعظيم شكره على نعمه -يكون وبالا على الكافر يوم القيامة حين يحضر للعذاب- أردف ذلك بيان ما يحصل في هذا اليوم من الإهانة والتقريع للمشركين حين يسألهم سؤالات يحارون في الجواب عنها، ويشتد عليهم الخطب حين لا يجدون مخلصا ومعذرة تبرر لهم ما كانوا يقترفون، فيسألهم أولا عن الآلهة التي كانوا يعبدونها في الدنيا من أصنام وأوثان، هل ينصرونهم أو ينتصرون؟
... وهذا السؤال للإهانة والتحقير، لأنهم عرفوا بطلان ما كانوا يفعلون.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تخلص من إثبات بعثة الرسل وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى إبطال الشركاء لله، فالجملة معطوفة على جملة {أفمن وعدناه وعداً حسناً} [القصص: 61] مفيدة سبب كونهم من المحضرين، أي لأنهم اتخذوا من دون الله شركاء، وزعموا أنهم يشفعون لهم فإذا هم لا يجدونهم يوم يحضرون للعذاب...
{يوم يناديهم} عينُ {يوم القيامة} وكان حقه أن يأتي بدلاً من {يوم القيامة} لكنه عدل عن الإبدال إلى العطف لاختلاف حال ذلك اليوم باختلاف العنوان، فنُزِّل منزلة يوم مغاير زيادة في تهويل ذلك اليوم.
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
والمتبادر أن الآيات في جملتها استهدفت فيما استهدفته إثارة الخوف والفزع في نفوس الكفار من المصير الرهيب الذي سوف يصيرون إليه، والحرج الشديد الذي سوف يواجهونه يوم القيامة، وحملهم على الارعواء والتوبة إلى الله تعالى، وهم في متسع من الوقت حتى يضمنوا لأنفسهم النجاح والفلاح في ذلك اليوم، وهذا مما ظل يتكرر في مختلف المواقف والمناسبات على اعتبار أنه الهدف الجوهري من الرسالة النبوية.