ثم وصف - سبحانه - هذه الريح التى توهموا أنها تحمل لهم الخير ، بينما هى تحمل لهم الهلاك ، وصفها بقوله : { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ } أى : ما تترك من شىء مرت عليه .
{ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم } أى : إلا جعلته كالشىء الميت الذى رم وتحول إلى فتات مأخوذ من رم الشىء إذا تفتت وتهشم . ويقال للنبات إذا يبس وتفتت : رميم وهشيم .
كما يقال للعظم إذا تكسر وبَلِىَ : رميم . ومنه قوله - تعالى - : { قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ }
وتترك كل شيء تأتي عليه كالميت الذي رم وتحول إلى فتات !
والريح قوة من قوى هذا الكون . وجند من جند الله . وما يعلم جنود ربك إلا هو . يرسلها - في إطار مشيئته وناموسه - في صورة ما من صورها ، في الوقت المقدر ، على من يريد ، بالهلاك والدمار ، أو بالحيا والحياة . ولا مكان في مثل هذه المواضع للاعتراض السطحي الساذج ، بالقول بأن الريح تجري وفق نظام كوني ؛ وتهب هنا أو هناك تبعا لعوامل طبيعية . فالذي يجريها وفق ذلك النظام وتبع هذه العوامل هو الذي يسلطها على من يشاء عندما يشاء وفق تقديره وتدبيره . وهو قادر على أن يسلطها كما يريد في إطار النظام الذي قدره والعوامل التي جعلها . ولا مخالفة ولا شبهة ولا اعتراض !
وقوله : ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أتَتْ عَلَيْهِ إلاّ جَعَلَتْهُ كالرّمِيمِ والرميم في كلام العرب : ما يبس من نبات الأرض وديس . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك ، وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنه :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أتَتْ عَلَيْهِ إلاّ جَعَلَتْهُ كالرّمِيمِ قال : كالشيء الهالك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : كالرّمِيمِ قال : كالشيء الهالك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة كالرّمِيمِ : رميم الشجر .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : إلاّ جَعَلَتْهُ كالرّمِيمِ قال : كرميم الشجر .
وجملة { ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم } صفة ثانية ، أو حال ، فهو ارتقاء في مضرة هذا الريح فإنه لا ينفع وأنه يضر أضراراً عظيمة .
وصيغ { تذر } : بصيغة المضارع لاستحضار الحالة العجيبة . و { شيء } في معنى المفعول ل { تذر } فإن ( مِن ) لتأكيد النفي والنكرة المجرورة ب ( من ) هذه نص في نفي الجنس ولذلك كانت عامة ، إلا أن هذا العموم مخصص بدليل العقل لأن الريح إنما تُبلي الأشياء التي تمر عليها إذا كان شأنها أن يتطرق إليها البِلى ، فإن الريح لا تُبلي الجبال ولا البحار ولا الأودية وهي تمر عليها وإنما تُبلي الديار والأشجار والناس والبهائم ، ومثله قوله تعالى : { تدمر كل شيء بأمر ربها } [ الأحقاف : 25 ] .
وجملة { جعلته كالرميم } في موضع الحال من ضمير { الريح } مستثناة من عموم أحوال { شيء } يبين المعرف ، أي ما تذر من شيء أتت عليه في حال من أحوال تدميرها إلا في حال قد جعلته كالرميم .
والرميم : العظم الذي بلِي . يقال : رَمَّ العظم ، إذ بَلى ، أي جعلتْه مفتتاً .
والمعنى : وفي عاد آية للذين يخافون العذاب الأليم إذ أرسل الله عليهم الريح . والمراد : أن الآية كائنة في أسباب إرسال الريح عليهم وهي أسباب تكذيبهم هوداً وإشراكهم بالله وقالوا : { من أشد منا قوة } [ فصلت : 15 ] ، فيحذر من مثل ما حلّ بهم أهل الإِيمان . وأما الذين لا يخافون العذاب الأليم من أهل الشرك فهم مصرّون على كفرهم كما أصرت عاد فيوشك أن يحلّ بهم من جنس ما حلّ بعاد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.