قوله تعالى : { فمن ابتغى وراء ذلك } أي : التمس وطلب سوى الأزواج والولائد المملوكة . { فأولئك هم العادون } الظالمون المتجاوزون من الحلال إلى الحرام ، وفيه دليل على أن الاستمناء باليد حرام ، وهو قول أكثر العلماء . قال ابن جريج : سألت عطاء عنه فقال : مكروه ، سمعت أن قوماً يحشرون وأيديهم حبالى فأظن أنهم هؤلاء . وعن سعيد بن جبير قال : " عذب الله أمةً كانوا يعبثون بمذاكيرهم " .
( فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) . . وراء الزوجات وملك اليمين ، ولا زيادة بطريقة من الطرق . فمن ابتغى وراء ذلك فقد عدا الدائرة المباحة ، ووقع في الحرمات ، واعتدى على الأعراض التي لم يستحلها بنكاح ولا بجهاد . وهنا تفسد النفس لشعورها بأنها ترعى في كلأ غير مباح ، ويفسد البيت لأنه لا ضمان له ولا اطمئنان ؛ وتفسد الجماعة لأن ذئابها تنطلق فتنهش من هنا ومن هناك : وهذا كله هو الذي يتوقاه الإسلام .
وقوله : فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلكَ يقول : فمن التمس لفرجه مَنكَحا سوى زوجته وملك يمينه ، فأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ يقول : فهم العادون حدود الله ، المجاوزون ما أحلّ الله لهم إلى ما حرّم عليهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : نهاهم الله نهيا شديدا ، فقال : فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلكَ فأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ فسمى الزاني من العادين .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ قال : الذين يتعدّون الحلال إلى الحرام .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن أبي عبد الرحمن ، في قوله : فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذلكَ فأُولَئكَ هُمُ العادُونَ قال : من زنى فهو عادٍ .
وزيد ذلك التحذير تقريراً بأن فرع عليه { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } لأن داعية غلبة شهوة الفرج على حفظ صاحبه إياه غريزة طبيعيَّة يُخشى أن تتغلَّب على حافظها ، فالإشارة بذلك إلى المذكور في قوله : { إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } أي وراء الأزواج والمملوكات ، أي غير ذينك الصّنفين .
وذُكرَ حفظ الفرج هنا عطفاً على الإعراض عن اللغو لأن من الإعراض عن اللغو تركَ اللغو بالأحرى كما تقدم آنفاً ؛ لأن زلة الصالح قد تأتيه من انفلات أحد هذين العضوين من جهة ما أُودع في الجبلة من شهوة استعمالهما فلذلك ضبطت الشريعة استعمالهما بأن يكون في الأمور الصالحة التي أرشدت إليها الديانة . وفي الحديث : « من يضمن لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ أضمن له الجنَّة » .
واللوم : الإنكار على الغير ما صدر منه من فعل أو قول لا يليق عند الملائم ، وهو مرادف العذل وأضعف من التعنيف .
و { وراء } منصوب على المفعول به . وأصل الوراء اسم المكان الذي في جهة الظهر ، ويطلق على الشيء الخارج عن الحد المحدود تشبيهاً للمتجاوز الشيءَ بشيء موضوع خلف ظهر ذلك الشيء لأن ما كان من أعلاق الشخص يجعل بَيْنَ يَديْه وبمرأى منه وما كان غير ذلك ينبذ وراء الظهر ، وهذا التخيل شاع عنه هذا الإطلاق بحيث يقال : هو وراء الحد ، ولو كان مستقبله . ثم توسع فيه فصار بمعنى ( غير ) أو ( مَا عدا ) كما هنا ، أي فمن ابتغوا بفروجهم شيئاً غير الأزواج وما ملكت أيمانهم .
وأتي لهم باسم الإشارة في قوله : { فأولئك هم العادون } لزيادة تمييزهم بهذه الخصلة الذميمة ليكون وصفهم بالعدوان مشهوراً مقرراً كقوله تعالى : { وأولئك هم المتقون } في سورة البقرة ( 177 ) ، والعادي هو المعتدي ، أي الظالم لأنه عدا على الأمر .
وتوسيط ضمير الفصل لتقوية الحكم ، أي هم البالغون غاية العدوان على الحدود الشرعية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.