الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ} (7)

السابعة-قوله تعالى : " فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " فسمى من نكح ما{[11620]}لا يحل عاديا وأوجب عليه الحد لعدوانه ، واللائط عاد قرآنا ولغة ، بدليل قوله تعالى : " بل أنتم قوم عادون " [ الشعراء : 166 ] وكما تقدم في " الأعراف " {[11621]} ، فوجب أن يقام الحد عليهم ، وهذا ظاهر لا غبار عليه .

قلت : فيه نظر ، ما لم يكن جاهلا أو متأولا ، وإن كان الإجماع منعقدا على أن قوله تعالى : " والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين " خص به الرجال دون النساء ، فقد روى معمر عن قتادة قال : تسررت امرأة غلامها ، فذكر ذلك لعمر فسألها : ما حملك على ذلك ؟ قالت : كنت أراه يحل لي ملك يميني كما يحل للرجل المرأة بملك اليمين ، فاستشار عمر في رجمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : تأولت كتاب الله عز وجل على غير تأويله ، لا رجم عليها . فقال عمر : لا جرم ! والله لا أحلك لحُرٍّ بعدهُ أبدا . عاقبها بذلك ودرأ الحد عنها ، وأمر العبد ألا يقربها . وعن أبي بكر بن عبدالله أنه سمع أباه يقول : أنا حضرت عمر ابن عبد العزيز جاءته امرأة بغلام لها وضيء فقالت : إني استسررته فمنعني بنو عمي عن ذلك ، وإنما أنا بمنزلة الرجل تكون له الوليدة فيطؤها ، فَانْهَ عني بني عمي ، فقال عمر : أتزوجت قبله ؟ قالت : نعم ، قال : أما والله لولا منزلتك من الجهالة لرجمتك بالحجارة ، ولكن اذهبوا به فبيعوه إلى من يخرج به إلى غير بلدها . و " وراء " بممنى سوى ، وهو مفعول ب " ابتغى " أي من طلب سوى الأزواج والولائد المملوكة له . وقال الزجاج : أي فمن ابتغى ما بعد ذلك ، فمفعول الابتغاء محذوف ، و " وراء " ظرف . و " ذلك " يشار به إلى كل مذكور مؤنثا كان أو مذكرا . " فأولئك هم العادون " أي المجاوزون الحد ، من عدا أي جاوز الحد وجازه .


[11620]:في ك: من لا تحل.
[11621]:راجع ج 7 ص 242 فما بعد.