قوله تعالى : { بل متعت هؤلاء وآباءهم } يعني : المشركين في الدنيا ، ولم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم ، { حتى جاءهم الحق } أي القرآن ، وقال الضحاك : الإسلام . { ورسول مبين } يبين لهم الأحكام وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان من حق هذا الإنعام أن يطيعوه ، فلم يفعلوا ، وعصوا ، وهو قوله{ ولما جاءهم الحق } .
وقوله - سبحانه - : { بَلْ مَتَّعْتُ هؤلاء وَآبَآءَهُمْ حتى جَآءَهُمُ الحق وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } إضراب عن كلام محذوف يناسق إليه الكلام ، والمراد " بهؤلاء " أهل مكة المعاصرين للنبى - صلى الله عليه وسلم - وقوله : { مَتَّعْتُ } من التمتع بمعنى إعطائهم ما يشتهون من المطاعم والمشارب والنعم المتعددة ، واشتغالهم بذلك عن طاعة الله - تعالى - وشكره .
والمعنى : اقتضت حكمتنا أن نجعل كلمة التوحيد باقية فى بعض ذرية إبراهيم لعل من بقى من هذه الذرية على الشرك أن يرجع إليها ، ولكنهم لم يرجعوا بل أصروا على كفرهم ، فلم أعالجهم بالعقوبة ، بل متعت هؤلاء المشركين المعاصرين لك - أيها الرسول الكريم - بأن أمددتهم بالنعم المتعددة هم وآباؤهم ، وبقيت تلك النعم فيهم : { حتى جَآءَهُمُ الحق } وهو دعوتك إياهم إلى إخلاص العبادة لنا ، وجاءهم { وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } هو أنت - أيها الرسول الكريم - فإن رسالتك واضحة المعالم ، بينة المقاصد ، ليس فيها شئ من الغموض الذى يحملها على الإِعراض عنها .
فالمقصود من الآية الكريمة ، بيان أن الكلمة الباقية فى عقب إبراهيم وهى كلمة التوحيد ، لم يتبعها جميع أفراد ذريته ، بل اتبعها قوم وكفر بها آخرون وأن هؤلاء الكافرين - وعلى راسهم كفار قريش - لم يعاجلهم الله - تعالى - بالعقوبة ، بل أعطاهم نعما متعددة ، فلم يشكروه - تعالى - عليها ، واستمروا على ذلك ، حتى جاءهم الحق ، فلم يؤمنوا به ، ولا بمن حمله إليهم وهو الرسل المبين - صلى الله عليه وسلم - .
ومن الآيات التى تدل على أن ذرية إبراهيم كان منها المؤمن ، وكان منها الكافر . قوله - تعالى - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النبوة والكتاب فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }
بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين . ولما جاءهم الحق قالوا : هذا سحر وإنا به كافرون . وقالوا : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ! أهم يقسمون رحمة ربك ? نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ، ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ، ورحمة ربك خير مما يجمعون . ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون ، ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون ، وزخرفاً ، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ؛ والآخرة عند ربك للمتقين . .
يُضرب السياق عن حديث إبراهيم ، ويلتفت إلى القوم الحاضرين :
( بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ) . .
وكأنه بهذا الإضراب يقول : لندع حديث إبراهيم ، فما لهم به صلة ولا مناسبة ؛ ولننظر في شأن هؤلاء وهو لا يتصل بشأن إبراهيم . . إن هؤلاء وآباءهم من قبلهم ، قد هيأت لهم المتاع ومددت لهم في الأجل ، حتى جاءهم الحق في هذا القرآن ، وجاءهم رسول مبين ، يعرض عليهم هذا الحق في وضوح وتبيين :
القول في تأويل قوله تعالى : { بَلْ مَتّعْتُ هََؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتّىَ جَآءَهُمُ الْحَقّ وَرَسُولٌ مّبِينٌ * وَلَمّا جَآءَهُمُ الْحَقّ قَالُواْ هََذَا سِحْرٌ وَإِنّا بِهِ كَافِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : بَلْ مَتّعْتُ يا محمد هَؤُلاءِ المشركين من قومك وآباءَهُمْ من قبلهم بالحياة ، فلم أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم حتى جاءَهُمُ الحَقّ يعني جلّ ثناؤه بالحقّ : هذا القرآن : يقول : لم أهلكهم بالعذاب حتى أنزلت عليهم الكتاب ، وبعثت فيهم رسولاً مبينا . يعني بقوله : وَرَسُولٌ مُبِينٌ : محمدا صلى الله عليه وسلم ، والمبين : أنه يبين لهم بالحجج التي يحتجّ بها عليهم أنه لله رسول محقّ فيما يقول .
{ بل متعت هؤلاء وآباءهم } هؤلاء المعاصرين للرسول صلى الله عليه وسلم من قريش وآباءهم بالمد في العمر والنعمة ، فاغتروا لذلك وانهمكوا في الشهوات . وقرئ " منعت " بالفتح على أنه تعالى اعترض به على ذاته في قوله : { وجعلها كلمة باقية } مبالغة في تعييرهم . { حتى جاءهم الحق } دعوة التوحيد أو القرآن . { ورسول مبين } ظاهر الرسالة بما له من المعجزات ، أو { مبين } للتوحيد بالحجج والآيات .
قوله عز وجل : { بل متعت } الآية ، كلام متصل بما قبله ، لأنه لما قال في عقبه ، وكانت قريش من عقبه ، اقتضى الكلام أن يقدر فيه لكن هؤلاء ليسوا ممن بقيت الكلمة فيهم بل متعتهم . والمعنى في الآية : بل أمهلت هؤلاء ومتعتهم بالنعمة مع كفرهم حتى جاءهم الحق والرسول ، وذلك هو شرع الإسلام والرسول : محمد عليه السلام .
و : «متعتُ » بضم التاء هي قراءة الجمهور . وقرأ قتادة : «متعتَ » بفتح التاء الأخيرة على معنى : قل يا رب متعت ، ورواها يعقوب عن نافع . وقرأ الأعمش : «بل متعنا » ، وهي تعضد قراءة الجمهور . و : { مبين } في هذه الآية يحتمل التعدي وترك التعدي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.