فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{بَلۡ مَتَّعۡتُ هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ وَرَسُولٞ مُّبِينٞ} (29)

ثم ذكر سبحانه نعمته على قريش ، ومن وافقهم من الكفار المعاصرين لهم فقال : { بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ ( 29 ) }

{ بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ } أي أهل مكة عقب إبراهيم { وَآَبَاءَهُمْ } أضرب سبحانه عن الكلام الأول إلى ذكر ما متعهم به من الأنفس والأهل والأموال ، والمد في الأعمار ، وأنواع النعم ، وسلامة الأبدان من البلايا والنقم ، وما متع به آباءهم ولم يعاجلهم بالعقوبة فاغتروا بالمهلة ، وانكبوا على الشهوات ، وشغلوا بالتنعم عن كلمة التوحيد ، وبطروا وتمادوا على الباطل .

{ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ } يعني القرآن { وَرَسُولٌ مُبِينٌ } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، ظاهر الرسالة واضحها ، أو مبين لهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين ، فلم يجيبوه ولم يعملوا بما أنزل عليه ، وفي هذه الغاية خفاء بيّنة في الكشاف وشروحه ، وهو أن ما ذكر ليس غاية للتمتيع ، إذ لا مناسبة بينهما مع أن مخالفة ما بعدها لما قبلها غير مرعي فيها .

والجواب أن المراد بالتمتيع ما هو سببه من اشتغالهم به شكر المنعم ، فكأنه قال : اشتغلوا به حتى { جاءهم الحق ورسول مبين } وهو غاية في نفس الأمر لأنه مما ينبههم ويزجرهم ، لكنهم لطغيانهم عكسوا ، فهو كقوله : { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } أفاده الشهاب .