اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{بَلۡ مَتَّعۡتُ هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلۡحَقُّ وَرَسُولٞ مُّبِينٞ} (29)

قوله : { بَلْ مَتَّعتُ } قرأ الجمهور مَتَّعْتُ بتاء المتكلم وقتادة ، والأعمش بفتحها للمخاطب خاطب إبراهيم أو محمد ربه بذلك . وبها قرأ نافع في رواية يَعْقُوبَ{[49778]} .

والأعمش أيضاً : بل مَتَّعْنَا بنون العظمة{[49779]} هَؤُلاَءِ وَآبَاءَهُمْ يعني أهل مكة وهم عَقِبُ إبراهيمَ يريد مشركي مكة ، ولم أعاجلهم بالعقوبة على الكفر { حتى جَاءَهُمُ الحق } وهو القرآن . وقال الضحاك : يعني الإسلام{[49780]} { وَرَسُولٌ مُبِينٌ } برسالة واضحة يبين لهم الأحكام ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم فلم يُطيقوه وعصوا ، وكذبوا به ، وسموه ساحراً ووجه النظم أنه لما عولوا على تقليد الآباء ولم يتفكروا في الحجة اغتروا بطول الإمهال ، وإمتاع الله إياهم بنعيم الدنيا ، فأعرضوا عن الحق{[49781]} . وقال الزمخشري :

فإن قيل{[49782]} : ما وَجْهُ من قرأ : مَتَّعْتَ ، بفتح التاءِ ؟ .

قُلْنَا{[49783]} : كأن الله سبحانه وتعالى اعترض على ذاته في قوله : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الزخرف : 28 ] فقال : بل مَتَّعْتُهُمْ بما متعتهم به من طُول العمر والسِّعة في الرزق حتى مَنَعَهُمْ{[49784]} ذلك عن كلمة التوحيد وأراد بذلك المبالغة في تعييرهم ، لأنه إذا متعهم بزيادة النعم ، وجب عليهم أن يجعلوا ذلك شيئاً في زيادة الشكر ، والثبات على التوحيد{[49785]} ، لا أن يشركوا به ويجعلوا له أنداداً ، فمثاله أن يشكو الرجل إساءةَ من أحْسٍَنَ إِليه ، ثم يقبل على نفسه ، فيقول : أنت السبب في ذلك بمعروفك وإحسانك إليه{[49786]} ويريد{[49787]} بهذا الكلام توبيخَ المسيء لا تقبيح فعل نفسه{[49788]} .


[49778]:لم ترد عن نافع في المتواتر. انظر البحر المحيط 8/12.
[49779]:قال أبو حيان: وهي تعضد قراءة الجمهور وانظر هذه القراءة هي وسابقتها في البحر 8/12 والدر المصون 4/780.
[49780]:القرطبي 16/82.
[49781]:الرازي 27/208.
[49782]:في ب وإن قيل، وفي الزمخشري: فإن قلت كالعادة.
[49783]:في الكشاف: قلت.
[49784]:في الكشاف: شغلهم.
[49785]:وفيه: والإيمان.
[49786]:زيادة عن الكشاف.
[49787]:في الكشاف وغرضه.
[49788]:وفيه: فعله لا فعل نفسه؛ وانظر الكشاف 3/85.