معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۖ وَكُلّٗا جَعَلۡنَا نَبِيّٗا} (49)

قوله تعالى : { فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله } فذهب مهاجراً ، { وهبنا له } بعد الهجرة { إسحاق ويعقوب } آنسنا وحشته [ من فراقهم ] وأقررنا عينه ، بأولاد كرام على الله عز وجل ، { وكلاً جعلنا نبياً } يعني : إسحاق و يعقوب .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۖ وَكُلّٗا جَعَلۡنَا نَبِيّٗا} (49)

ثم بين - سبحانه - ما ترتب على اعتزال إبراهيم للشرك والمشركين فقال : { فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } .

أى : فحين اعتزل إبراهيم - عليه السلام - أباه وقومه وآلهتهم الباطلة . لم نضيعه ، وإنما أكرمنا وتفضلنا عليه بأن وهبنا له إسحاق ويعقوب ليأنس بهما بعد أن فارق أباه وقومه من أجل إعلاء كلمتنا { وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } أى : وكل واحد منهما جعلناه نبياً { وَوَهَبْنَا لَهْمْ } أى : لإبراهيم وإسحاق ويعقوب { مِّن رَّحْمَتِنَا } بأن جعلناهم أنبياء ومنحناهم الكثير من فضلنا وإحسانا ورزقنا .

وجعلنا لهم لسان صدق عليا ، بأن صيرنا الناس يثنون عليهم ويمدحونهم ويذكرونهم بالذكر الجميل ، لخصالهم الحميدة ، وأخلاقهم الكريمة .

وهكذا نرى أن اعتزال الشرك والمشركين ، والفسق والفاسقين ، يؤدى إلى السعادة الدينية والدنيوية ، وما أصدق قوله - تعالى - : { فَلَمَّا اعتزلهم وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } .

وخص - سبحانه - هنا اسحق ويعقوب بالذكر دون إسماعيل لأن إسماعيل سيذكر فضله بعد قليل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۖ وَكُلّٗا جَعَلۡنَا نَبِيّٗا} (49)

القول في تأويل قوله تعاله : { فَلَمّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاّ جَعَلْنَا نَبِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } .

يقول تعالى ذكره : فلما اعتزل إبراهيم قومه وعبادة ما كانوا يعبدون من دون الله من الأوثان آنسنا وحشته من فراقهم ، وأبدلناه منهم بمن هو خير منهم وأكرم على الله منهم ، فوهبنا له ابنه إسحاق ، وابن ابنه يعقوب بن إسحاق وكُلاّ جَعَلْنا نَبِيّا يقول : وجعلناهم كلهم ، يعني بالكلّ إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنبياء وقال تعالى ذكره : وكُلاّ جَعَلْنا نَبِيّا فوحد ، ولم يقل أنبياء ، لتوحيد لفظ كلّ

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۖ وَكُلّٗا جَعَلۡنَا نَبِيّٗا} (49)

{ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله } بالهجرة إلى الشام . { وهبنا له إسحق ويعقوب } بدل من فارقهم من الكفرة ، قيل أنه لما قصد الشام أتى أولا حران وتزوج بسارة وولدت له إسحق وولد منه يعقوب ، ولعل تخصيصها بالذكر لأنهما شجرتا الأنبياء أو لأنه أراد أن يذكر إسماعيل بفضله على الانفراد { وكلا جعلنا نبيا } وكلا منهما أو منهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۖ وَكُلّٗا جَعَلۡنَا نَبِيّٗا} (49)

وقوله { فلما اعتزلهم } الى آخر الآية ، إخبار من الله تعالى لمحمد عليه السلام أنه لما رحل عن بلد أبيه وقومه عوضه الله من ذلك ابنه { إسحاق } وابنه { يعقوب } وجعل له الولد تسلية وشداً لعضده ، و { إسحاق } أصغر من إسماعيل ، ولما حملت هاجر بإسماعيل غارت سارة فحملت ب { إسحاق } هذا ما روي .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا ٱعۡتَزَلَهُمۡ وَمَا يَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبۡنَا لَهُۥٓ إِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۖ وَكُلّٗا جَعَلۡنَا نَبِيّٗا} (49)

طُوي ذكر اعتزاله إياهم بعد أن ذكر عزمه عليه إيجازاً في الكلام للعلم بأن مثله لا يعزم أمراً إلاّ نفذ عزمه ، واكتفاءً بذكر ما ترتّب عليه من جعل عزمه حدثاً واقعاً قد حصل جزاؤه عليه من ربّه ، فإنه لما اعتزل أباه وقومه واستوحش بذلك الفراق وهبه الله ذرية يأنس بهم إذْ وهبه إسحاق ابنه ، ويعقوب ابن ابنه ، وجعلهما نبيئين . وحسبك بهذه مكرمة له عند ربّه .

وليس مجازاة الله إبراهيم مقصورة على أن وهبه إسحاق ويعقوب ، إذ ليس في الكلام ما يقتضي الانحصار ، فإنه قد وهبه إسماعيل أيضاً ، وظهرت موهبته إياه قبل ظهور موهبة إسحاق ، وكل ذلك بعد أن اعتزل قومَه .

وإنما اقتُصر على ذكر إسحاق ويعقوب دون ذكر إسماعيل فلم يقل : وهبنا له إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، لأن إبراهيم لما اعتزل قومه خرج بزوجه سارة قريبته ، فهي قد اعتزلت قومها أيضاً إرضاء لربها ولزوجها ، فذكر الله الموهبة الشاملة لإبراهيم ولزوجه ، وهي أن وهب لهما إسحاق وبعده يعقوب ؛ ولأن هذه الموهبة لما كانت كِفاء لإبراهيم على مفارقته أباه وقومه كانت موهِبةَ من يعاشر إبراهيم ويؤنسه وهما إسحاق ويعقوب . أما إسماعيل فقد أراد الله أن يكون بعيداً عن إبراهيم في مكة ليكون جارَ بيت الله . وإنه لجوار أعظم من جوار إسحاق ويعقوب أباهما .

وقد خصّ إسماعيل بالذكر استقلالاً عقب ذلك ، ومِثلُه قوله تعالى : { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب } [ ص : 45 ] ثم قال : { واذكر إسماعيل } في سورة ص ( 48 ) ، وقد قال في آية الصافات ( 99 101 ) { وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم } إلى أن قال : وبشرناه بإسحاق نبيا م الصالحين فذكر هنالك إسماعيل عقب قوله : إني ذاهب إلى ربي سيهدين إذ هو المراد بالغلام الحليم .

والمراد بالهبة هنا : تقدير ما في الأزل عند الله لأن ازدياد إسحاق ويعقوب كان بعد خروج إبراهيم بمدة بعد أن سَكَن أرض كنعان وبعد أن اجتاز بمصر ورجع منها . وكذلك ازدياد إسماعيل كان بعد خروجه بمدة وبعد أن اجتاز بمصر كما ورد في الحديث وفي التوراة ، أو أُريد حكاية هبة إسحاق ويعقوب فيما مضى بالنسبة إلى زمن نزول القرآن تنبيهاً بأن ذلك جزاؤه على إخلاصه .

والنكتة في ذكر يعقوب أن إبراهيم رآه حفيداً وسُرّ به ، فقد ولد يعقوب قبل موت إبراهيم بخمس عشرة سنة ، وأن من يعقوب نشأت أمّة عظيمة .

وحرف ( لما ) حرف وجودٍ لوجودٍ ، أي يقتضي وجود جوابه لأجل وجود شرطه فتقتضي جملتين ، والأكثر أن يكون وجود جوابها عند وجود شرطها ، وقد تكون بينهما فترة فتدل على مجرد الجزائية ، أي التعليل دون توقيت ، وذلك كما هنا .