أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} (60)

{ ولو نشاء لجعلنا منكم } لولدنا منكم يا رجال كما ولدنا عيسى من غير أب ، أو لجعلنا بدلكم . { ملائكة في الأرض يخلفون } ملائكة يخلفونكم في الأرض ، والمعنى أن حال عيسى عليه السلام وإن كانت عجيبة فإنه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك ، وأن الملائكة مثلكم من حيث أنها ذوات ممكنة يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها إبداعا ، فمن أين لهم استحقاق الألوهية والانتساب إلى الله سبحانه وتعالى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} (60)

وقوله تعالى : { ولو نشاء } الآية ، أي لا تستغربوا أن يخلق عيسى من غير فحل ، فإن القدرة تقضي ذلك وأكثر منه .

وقوله : { لجعلنا منكم } معناه : لجعلنا بدلاً منكم ، أي لو شاء الله لجعل بدلاً من بني آدم ملائكة يسكنون الأرض ويخلفون بني آدم فيها . وقال مجاهد وابن عباس : يخلف بعضهم بعضاً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} (60)

لما أشارت الآية السابقة إلى إبطال ضلالة الذين زعموا عيسى عليه السلام ابناً لله تعالى ، من قَصره على كونه عبداً لله أنعم الله عليه بالرسالة وأنه عبرة لبني إسرائيل عُقب ذلك بإبطال ما يماثل تلك الضلالة ، وهي ضلالة بعض المشركين في ادعاء بنوة الملائكة لله تعالى المتقدم حكايتها في قوله : { وجَعَلوا له من عباده جُزءاً } [ الزخرف : 15 ] الآيات فأشير إلى أن الملائكة عباد لله تعالى جعَل مكانهم العوالم العليا ، وأنه لو شاء لجعلهم من سكان الأرض بدلاً عن الناس ، أي أن كونهم من أهل العوالم العليا لم يكن واجباً لهم بالذات وما هو إلا وضعٌ بجعل من الله تعالى كما جعل للأرض سكاناً ، ولو شاء الله لعكس فجعل الملائكة في الأرض بدلاً عن الناس ، فليس تشريف الله إياهم بسكنى العوالم العليا بموجب بُنوتهم لله ولا بمقتضضٍ لهم إلهية ، كما لم يكن تشريف عيسى بنعمة الرسالة ولا تمييزُه بالتكوّن من دون أب مقتضياً له إلهاية وإنما هو بجعل الله وخلقه .

وجُعِل شرط { لو } فعلاً مستقبلاً للدلالة على أن هذه المشيئة لم تزل ممكنة بأن يعوِّض للملائكة سكنى الأرض .

ومعنى ( مِن ) في قوله : { منكم } البدلية والعِوَض كالتي في قوله تعالى : { أرَضِيتُم بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة } [ التوبة : 38 ] .

والمجرور متعلق ب ( جعلنا ) ، وقُدّم على مفعول الفعل للاهتمام بمعنى هذه البَدَلية لتتعمق أفهام السامعين في تدبرها .

وجملة { في الأرض يخلفون } بيان لمضمون شبه الجملة إلى قوله : { منكم } وحذف مفعول { يخلفون } لدلالة { منكم } عليه ، وتقديم هذا المجرور للاهتمام بما هو أدل على كون الجملة بياناً لمضمون { منكم } . وهذا هو الوجه في معنى الآية وعليه درج المحققون . ومحاولة صاحب « الكشاف » حمل { منكم } على معنى الابتدائية والاتصال لا يلاقي سياق الآيات .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ} (60)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قوله: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} مكانكم، فكانوا خلفا منكم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ" يقول تعالى ذكره: ولو نشاء معشر بني آدم أهلكناكم، فأفنينا جميعكم، وجعلنا بدلاً منكم في الأرض ملائكة يخلفونكم فيها يعبدونني، وذلك نحو قوله تعالى ذكره: "إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ أيّها النّاسُ وَيأْتِ بآخَرِينَ وكانَ اللّهُ على ذلكَ قَدِيرا "وكما قال: "إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدكُمْ ما يَشاءُ".

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة} على وجهين:

أحدهما: أي لو نشاء لجعلنا من جوهركم وجنسكم ملائكة ليُعلم أن إنشاء الملائكة من النور على ما ذكر ليس ذلك منه استعانة بذلك النور لإنشاء الملائكة منه لأنه قادر بذاته، ولا يُعجزه شيء؛ يُنشئ ما يشاء ممّا شاء، وكيف شاء.

والثاني: أي لو نشاء لجعلنا الملائكة بدلا منكم، لكن لم يفعل ذلك لما ليس في عصيان من عصاه ولا مخالفة من خالفه له ضرر، ولا بطاعة من أطاعه، واتبع أمره، ونهيه نفع، ولا أنشأ هذا العالم والخلق لحاجة نفسه ولا امتحنهم بأنواع المحن لمنفعة نفسه ولا لمضرّة يدفع بذلك عن نفسه، ولكن أنشأهم، وامتحنهم لحاجة أنفسهم...

{ملائكة في الأرض يخلُفون} يحتمل وجهين:

أحدهما: أي يخلُف الملائكة بعضهم بعضا قرنا عن قرن بالتناسل والتوالد كالبشر يخلُف بعض بعضا قرنا عن قرن بالتناسل والتوالد؛ إذ ليس في الملائكة توالد وتناسل.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَلَوْ نَشآءُ} لقدرتنا على عجائب الأمور وبدائع الفطر.

{لَجَعَلْنَا مِنكُمْ} لولدنا منكم يا رجال.

{مَلَئِكَةٌ} يخلفونكم في الأرض كما يلخفكم أولادكم، كما ولدنا عيسى من أنثى من غير فحل، لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

لو نشاء لأسكنا الأرض الملائكة، وليس في إسكاننا إياهم السماء شرف حتى يُعبَدوا أو يقال لهم بنات الله...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان التقدير: فلو شئنا لجعلنا الناس كلهم من أنثى بلا ذكر، ولو شئنا لساويناكم بهم في ذلك الذي ضربناه عليهم من الذل عندما جعلوا له مثل السوء، فزدنا ما أنتم فيه من الذل والحقارة عند سائر الأمم بأن سلطانهم عليكم حتى استباحوكم، ولو شئنا لمحوناكم أجمعين عن وجه الأرض فتركناها بياناً؟ لا أنيس بها، عطف عليه قوله: {ولو} معبراً بصيغة المضارع إشارة إلى دوام قدرته على تجديد الإبداع فقال: {نشاء لجعلنا} أي على ما لنا من العظمة ما هو أغرب مما صنعناه في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام {منكم ملائكة في الأرض يخلفون}.

ويجوز أن يكون المعنى: لجعلنا بعضكم ملائكة بأن نحول خلقتهم فنجعلهم خلفاً لمن تحولوا عنهم ونخلف بعضهم بعضاً، فإنهم من جملة عبادنا أجسام تقبل التوليد كما تقبل الإبداع، وعلى كلا التقديرين فذلك إشارة إلى أن الملائكة ذوات ممكنة من جملة عبيده سبحانه، يصرفهم في مراده إن شاء في السماء، وإن شاء في الأرض، لا شيء منكم إلا وهو بعيد جداً عن رتبة الإلهية إرشاداً لهم إلى الاعتقاد الحق في أمره سبحانه بشمول قدرته وكمال علمه اللازم منه أنه لا إله إلا هو.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} أي: لجعلنا بدلكم ملائكة يخلفونكم في الأرض، ويكونون في الأرض حتى نرسل إليهم ملائكة من جنسهم، وأما أنتم يا معشر البشر، فلا تطيقون أن ترسل إليكم الملائكة، فمن رحمة الله بكم، أن أرسل إليكم رسلا من جنسكم، تتمكنون من الأخذ عنهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما أشارت الآية السابقة إلى إبطال ضلالة الذين زعموا عيسى عليه السلام ابناً لله تعالى، من قَصره على كونه عبداً لله أنعم الله عليه بالرسالة، وأنه عبرة لبني إسرائيل عُقب ذلك بإبطال ما يماثل تلك الضلالة، وهي ضلالة بعض المشركين في ادعاء بنوة الملائكة لله تعالى المتقدم حكايتها في قوله: {وجَعَلوا له من عباده جُزءاً} [الزخرف: 15] الآيات فأشير إلى أن الملائكة عباد لله تعالى جعَل مكانهم العوالم العليا، وأنه لو شاء لجعلهم من سكان الأرض بدلاً عن الناس، أي أن كونهم من أهل العوالم العليا لم يكن واجباً لهم بالذات وما هو إلا وضعٌ بجعل من الله تعالى كما جعل للأرض سكاناً، ولو شاء الله لعكس فجعل الملائكة في الأرض بدلاً عن الناس.

وجُعِل شرط {لو} فعلاً مستقبلاً للدلالة على أن هذه المشيئة لم تزل ممكنة بأن يعوِّض للملائكة سكنى الأرض.

ومعنى (مِن) في قوله: {منكم} البدلية والعِوَض كالتي في قوله تعالى: {أرَضِيتُم بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة} [التوبة: 38].

والمجرور متعلق ب (جعلنا)، وقُدّم على مفعول الفعل للاهتمام بمعنى هذه البَدَلية لتتعمق أفهام السامعين في تدبرها.

وجملة {في الأرض يخلفون} بيان لمضمون شبه الجملة إلى قوله: {منكم} وحذف مفعول

{يخلفون} لدلالة {منكم} عليه، وتقديم هذا المجرور للاهتمام بما هو أدل على كون الجملة بياناً لمضمون {منكم}. وهذا هو الوجه في معنى الآية وعليه درج المحققون.

ومحاولة صاحب « الكشاف» حمل {منكم} على معنى الابتدائية والاتصال لا يلاقي سياق الآيات.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لئلا يتوهموا أنّ الله سبحانه محتاج لعبوديتهم، وأنّه يصر عليها، فإنّه تعالى يقول في الآية التالية: (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) ملائكة تخضع لأوامر الله، ولا تعرف عملاً إلاّ طاعته وعبادته.

واختار جمع من المفسّرين تفسيراً آخر للآية، يصبح معنى الآية على أساسه: ولو نشاء لجعلنا أبناءكم ملائكة يخلفونكم في الأرض. بناء على هذا فلا تعجبوا من أن يولد المسيح من دون أب، فإنّ الله عز وجل قادر على أن يخلق ملكاً من الإِنسان، وهو نوع يختلف عنه.

ولما كان تولد الملك من الإِنسان لا يبدوا مناسباً، فقد فسّره بعض كبار المفسّرين بولادة الأبناء الذين يتمتعون بصفات الملائكة، وقالوا: إن المراد: لا تعجبوا من أن تكون لعبد كالمسيح القدرة على إحياء الموتى، وإبراء المرضى بإذن الله، وهو في الوقت نفسه عبد مخلص مطيع لأمر الله، فإنّ الله قادر على أن يخلق من أبنائكم من تكون فيه كل صفات الملائكة وطبائعهم.

إلاّ أن التّفسير الأوّل ينسجم مع ظاهر الآية أكثر من الجميع، وهذه التفاسير بعيدة.