أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمٞ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمۡتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (61)

{ وإنه } وإن عيسى عليه السلام . { لعلم للساعة } لأن حدوثه أو نزوله من أشراط الساعة يعلم به دنوها ، أو لأن إحياء الموتى يدل على قدرة الله تعالى عليه . وقرئ { لعلم } أي لعلامة ولذكر على تسمية ما يذكر به ذكرا ، وفي الحديث ينزل عيسى عليه السلام على ثنية بالأرض المقدسة يقال لها أفيق وبيده حربة يقتل بها الدجال ، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة الصبح فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى عليه الصلاة والسلام ويصلي خلفه على شريعة محمد عليه الصلاة والسلام ، ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ، ويخرب البيع والكنائس ، ويقتل النصارى إلا من آمن به . وقيل الضمير للقرآن فإن فيه الإعلام بالساعة والدلالة عليها . { فلا تمترن بها } فلا تشكن فيها . { واتبعون } واتبعوا هداي أو شرعي أو رسولي . وقيل هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يقوله . { هذا } الذي أدعوكم إليه . { صراط مستقيم } لا يضل سالكه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمٞ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمۡتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (61)

والضمير في قوله : { وإنه لعلم } قال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وابن زيد : الإشارة به إلى عيسى . وقالت فرقة : إلى محمد عليه السلام . وقال الحسن أيضاً وقتادة : إلى القرآن .

وقرأ جمهور الناس : «لعِلْم » بكسر العين وسكون اللام . وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة وأبو هند الغفاري ومجاهد وأبو نضرة ومالك بن دينار والضحاك : «لعَلَم » بفتح العين واللام ، وقرأ عكرمة مولى ابن عباس : «لَلعلم » بلامين ، الأولى مفتوحة . وقرأ أبي بن كعب : «لذَكر للساعة » .

فمن قال إن الإشارة إلى عيسى حسن مع تأويله علم وعلم أي هو إشعار بالساعة وشرط من أشراطها ، يعني خروجه في آخر الزمان ، وكذلك من قال : الإشارة إلى محمد صلى الله عليه و سلم ، أي هو آخر الأنبياء ، فقد تميزت الساعة به نوعاً وقدراً من التمييز ، وبقي التحديد التام الذي انفرد الله بعلمه ، ومن قال : الإشارة إلى القرآن ، حسن قوله في قراءة من قرأ : «لعِلْم » بكسر العين وسكون اللام ، أي يعلمكم بها وبأهوالها وصفاتها ، وفي قراءة من قرأ : «لذكر » .

وقوله : { فلا تمترن } أي قل لهم يا محمد لا تشكون فيها . وقوله : { هذا صراط مستقيم } إشارة إلى الشرع .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمٞ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمۡتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (61)

{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } .

الأظهر أن هذا عطف على جملة { وإنه لذكرٌ لك ولقومك } [ الزخرف : 44 ] ويكون ما بينهما مستطردات واعتراضاً اقتضته المناسبة .

لمّا أشبع مقام إبطال إلهية غير الله بدلائل الوحدانية ثُني العِنان إلى إثبات أن القرآن حق ، عوداً على بدْءٍ . وهذا كلام موجه من جانب الله تعالى إلى المنكرين يوم البعث ، ويجوز أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم

وضمير المذكر الغائب في قوله : { وإنه لعلم للساعة } مراد به القرآن وبذلك فسَّرَهُ الحسن وقتادة وسعيد بن جبير فيكون هذا ثناء ثامناً على القرآن ، فالثناء على القرآن استمرّ متصلاً من أول السورة آخذاً بعضه بحُجز بعض متخلَّلاً بالمعترضات والمستطردات ومتخلصاً إلى هذا الثناء الأخير بأن القرآن أعلم الناس بوقوع الساعة .

ويفسره ما تقدم من قوله : { بالذي أُوحي إليك } [ الزخرف : 43 ] ويبينه قوله بعده { هذا صراط مستقيم } ، على أن ورود مثل هذا الضمير في القرآن مراداً به القرآن كثير معلوم من غير معاد فضلاً على وجود معاده .

ومعنى تحقيق أن القرآن عِلْم للساعة أنه جاء بالدين الخاتم للشرائع فلم يبق بعد مجيء القرآن إلا انتظار انتهاء العالم . وهذا معنَى ما روي من قول الرسول صلى الله عليه وسلم « بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين ، وقرن بين السبابة والوسطى مشيراً إليهما » والمشابهة في عدم الفصل بينهما .

وإسناد { عِلمٌ للساعة } إلى ضمير القرآن إسناد مجازيّ لأن القرآن سبب العلم بوقوع الساعة إذ فيه الدلائل المتنوعة على إمكان البعث ووقوعه . ويجوز أن يكون إطلاق العلم بمعنى المُعْلِم ، من استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل مبالغة في كونه محصلاً للعلم بالساعة إذ لم يقاربه في ذلك كتاب من كتب الأنبياء .

وقد ناسب هذا المجازَ أو المبالغة التفريع في قوله : { فلا تمترن بها } لأن القرآن لم يُبققِ لأحدٍ مِرية في أن البعث واقع . وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة أن الضمير لعيسى ، وتأولوه بأن نزول عيسى علامة الساعة ، أي سبب علم بالساعة ، أي بقربها ، وهو تأويل بعيد فإن تقدير مضاف وهو نزول لا دليل عليه ويناكده إظهار اسم عيسى في قوله : { ولما جاء عيسى } [ الزخرف : 63 ] الخ . ويجوز عندي أن يكون ضمير { إنه } ضميرَ شأن ، أي أن الأمر المهمّ لَعِلم الناسسِ بوقوع الساعة .

وعُدّي فعل { فلا تمترن بها } بالباء لتضمينه معنى : لا تُكذبُن بها ، أو الباء بمعنى ( في ) الظرفية .

{ واتبعون هذا صراط مستقيم } .

يجوز أن يكون ضمير المتكلم عائداً إلى الله تعالى ، أي اتبعوا ما أرسلتُ إليكم من كلامي وَرَسُولِي ، جرياً على غالب الضمائر من أول السورة كما تقدم ، فالمراد باتّباع الله : اتباع أمره ونهيه وإرشادِه الوارد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتّباع الله تمثيل لامتثالهم ما دعاهم إليه بأن شبه حال الممتثلين أمر الله بحال السالكين صراطاً دلّهم عليه دليل .

ويكون هذا كقوله في سورة الشورى ( 52 ، 53 ) { وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم صراطِ الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض } ويجوز أن يكون عائداً إلى النبي بتقدير : وقُل اتبعون ، ومثله في القرآن كثير .

والإشارة في { هذا صراط مستقيم } للقرآن المتقدم ذكره في قوله : { وإنه لعلم للساعة } أو الإشارة إلى ما هو حاضر في الأذهان مما نزل من القرآن أو الإشارة إلى دين الإسلام المعلوم من المقام كقوله تعالى : { وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه } [ الأنعام : 153 ] .

وحذفت ياء المتكلم تخفيفاً مع بقاء نون الوقاية دليلاً عليها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمٞ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمۡتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (61)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم رجع في التقديم إلى عيسى فقال: {وإنه لعلم للساعة}، يقول: نزوله من السماء علامة للساعة... يقول: نزول عيسى من السماء علامة للساعة.

{فلا تمترن بها}: لا تشكوا في الساعة، ولا في القيامة أنها كائنة.

{واتبعون هذا صراط مستقيم}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله:"وإنّهُ" وما المعنيّ بها، ومن ذكر ما هي؛ فقال بعضهم: هي من ذكر عيسى، وهي عائدة عليه. وقالوا: معنى الكلام: وإن عيسى ظهوره علم يعلم به مجيء الساعة، لأن ظهوره من أشراطها، ونزوله إلى الأرض دليل على فناء الدنيا، وإقبال الآخرة... وقال آخرون: الهاء التي في قوله: "وَإنّهُ "من ذكر القرآن، وقالوا: معنى الكلام: وإن هذا القرآن لعلم للساعة يعلمكم بقيامها، ويخبركم عنها وعن أهوالها...

وقوله: "فَلا تَمْتَرُنّ" بِها يقول: فلا تشكنّ فيها وفي مجيئها أيها الناس...

وقوله: "وَاتّبِعُونِ" يقول تعالى ذكره: وأطيعون فاعملوا بما أمرتكم به، وانتهوا عما نهيتكم عنه، وَ "هَذا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ" يقول: اتباعكم إياي أيها الناس في أمري ونهيي "صراط مستقيم"، يقول: طريق لا اعوجاج فيه، بل هو قويم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وإنه لعِلم للساعة} و "لعَلَم للساعة"، كلاهما قد قُرئ. ثم اختُلف في ذلك؛

فمنهم من يقول: هو عيسى يكون نزوله من السماء عَلَما للساعة وآية لها، فيكون على هذا هو صلة ما تقدّم من قوله: {وجعلناه مثلا لبني إسرائيل} كأن قد قال: وجعلناه مثلا أي آية وعبرة لهم على ما ذكرنا، وجعلناه أيضا عَلَما للساعة.

وقال بعضهم: قوله: إنه لعلم للساعة: أي محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه من القرآن عَلَم للساعة لأنه به ختم النبوّة والرسالة، وقال: (بُعثت أنا والساعة كهاتين) [البخاري 6503] وأشار إلى أصبعين من يده، وإنما بعثه الله تعالى [عند قُرب الساعة، فهو عَلَم للساعة] عند من قرأ لعَلَم للساعة بالتثقيل؛ فمعناه العلامة لها والدليل عليها.

ومن قرأ: {لعِلْم للساعة} بالجزم فمعناه يُعلم به قرب الساعة. {واتّبعون هذا صراط مستقيم} فإن كان قوله: وإنه لعَلَم للساعة، هو محمد صلى الله عليه وسلم فكأنه قال عليه السلام: أنا عَلَم للساعة، وقريب منها فاتبعوني، وإن كان [قوله: {وإنه لعِلم للساعة}] عيسى، على نبينا وعليه السلام، فيقول: إنه عِلم للساعة وآية لها، فاتّبعوني قبل أن يخرج وينزل.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

الفائدة بالعلم بالساعة أنه يجب التأهب لها من أجل أنها تقوم للجزاء لا محالة، وفى الشك فيها فتور في العمل لها، ويجب لأجلها اجتناب القبائح التي يستحق بها الذم والعقاب، واجتناء المحاسن التي يستحق بها المدح والثواب...

"وأتبعوني هذا صراط مستقيم" أي ما أخبرتكم به من البعث والنشور والثواب والعقاب "صراط مستقيم"...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما ذكر سبحانه الإعدام والخلافة بسببه فرضاً، ذكر أن إنزاله إلى الأرض آخر الزمان أمارة على إعدام الناس تحقيقاً، فقال مؤكداً لأجل إنكارهم: {وإنه} أي عيسى عليه الصلاة والسلام {لعلم للساعة} أي نزوله سبب للعلم بقرب الساعة التي هي إعدامه الخلائق كلهم بالموت، وكذا ما نقل عنه من أنه كان يحيى وكذا إبراؤه الأسقام سبب عظيم للقطع بالساعة التي هي القيامة، فهو سبب للعلم بالأمرين: عموم الإعدام وعموم القيام.

ولما كان قريش يستنصحون اليهود يسألونهم -لكونهم أهل الكتاب- عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النصارى مثلهم في ذلك، وكان كون عيسى عليه الصلاة والسلام من أعلام الساعة أمراً مقطوعاً به عند الفريقين، أما النصارى فيقولون: إنه الذي أتى إليهم ورفع إلى السماء كما هو عندنا، وأما اليهود فيقولون: إنه إلى الآن لم يأت، ويأتي بعد، فثبت بهذا أمر عيسى عليه الصلاة والسلام فيما أخبر الله تعالى عنه من إنعامه عليه، ومن أنه من أعلام الساعة بشهادة الفرق الثلاثة اليهود والنصارى والمسلمين ثباتاً عظيماً جداً، فصارت كأنها مشاهدة، فلذلك سبب عما سبق قوله على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، لافتاً القول إلى مواجهتهم مؤكداً في مقابلة إنكارهم لها بما ثبت من شهادة الفرق الثلاثة: {فلا تمترن} أي تشكوا أدنى شك وتضطربوا أدنى اضطراب وتجحدوا أدنى جحد وتجادلوا أدنى جدل {بها} أي بسببها، يقال: مرى الشيء وامتراه: استخرجه، ومراه مائة سوط: ضربه، ومراه حقه، أي جحده، والمرية بالضم والكسر: الجدل والشك.

{واتبعون} أي أوجدوا تبعكم بغاية جهدكم.

{هذا} أي كل ما أمرتكم به من هذا وغيره. {صراط} أي طريق واسع واضح {مستقيم}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{وإنه لعلم للساعة} مراد به القرآن وبذلك فسَّرَهُ الحسن وقتادة وسعيد بن جبير فيكون هذا ثناء ثامناً على القرآن، فالثناء على القرآن استمرّ متصلاً من أول السورة آخذاً بعضه بحُجز بعض متخلَّلاً بالمعترضات والمستطردات ومتخلصاً إلى هذا الثناء الأخير بأن القرآن أعلم الناس بوقوع الساعة...

ومعنى تحقيق أن القرآن عِلْم للساعة أنه جاء بالدين الخاتم للشرائع فلم يبق بعد مجيء القرآن إلا انتظار انتهاء العالم. وهذا معنَى ما روي من قول الرسول صلى الله عليه وسلم« بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين، وقرن بين السبابة والوسطى مشيراً إليهما» والمشابهة في عدم الفصل بينهما...

وإسناد {عِلمٌ للساعة} إلى ضمير القرآن إسناد مجازيّ؛ لأن القرآن سبب العلم بوقوع الساعة إذ فيه الدلائل المتنوعة على إمكان البعث ووقوعه. ويجوز أن يكون إطلاق العلم بمعنى المُعْلِم، من استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل مبالغة في كونه محصلاً للعلم بالساعة إذ لم يقاربه في ذلك كتاب من كتب الأنبياء...

{فلا تمترن بها} لأن القرآن لم يُبقِ لأحدٍ مِرية في أن البعث واقع...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

إن قيام الساعة حتم، ووقوعها قريب:

(فلا تمترنَّ بها) لا من حيث الاعتقاد بها ولا من حيث الغفلة عنها.

(واتبعون هذا صراط مستقيم) وأي صراط أكثر استقامة من الذي يخبركم بالمستقبل الخطير الذي ينتظركم، ويحذركم منه، ويدلكم على طريق النجاة من أخطار يوم البعث؟!...