التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحۡمَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (51)

{ وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين 50 أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون 51 قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون 52 } [ 50-52 ] .

في هذه الآيات :

1- حكاية لتحد وجهه الكفار إلى النبي عليه السلام بالإتيان بالمعجزات والخوارق برهانا على صلته بالله .

2- وأمر للنبي بالرد عليهم بأن المعجزات والخوارق بيد الله ، وأنه ليس إلا نذيرا مبينا للناس بأمر الله الطريق التي يجب أن يسيروا فيها .

3- وتساؤل في معرض الاستنكار عما إذا لم يكن فيما أوحى الله إلى النبي من كتاب الله يتلى عليهم ما يكفيهم ويقنعهم . ففيه رحمة وتذكرة ربانيتان لا ريب فيهما لمن يؤمن أو يرغب في الإيمان حقا .

4- وأمر آخر للنبي بإعلان المجادلين المتحدّين بأن يجعل الله بينه وبينهم شاهدا وحكما وفي ذلك الكفاية والبلاغ . فهو يعلم بكل ما في السماوات والأرض ويعرف المحق من المبطل والصادق من الكاذب ؛ مع التوكيد بأن الخاسرين في هذا الاستشهاد والاحتكام هم المكابرون المصممون على الكفر المتمسكون بالباطل .

ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزول الآية الأولى . وكل ما قالوه إنها رد على الكفار الذين طلبوا من النبي آية من ربه تؤيده في دعواه . ولقد روى الطبري في سياق الآية الثانية [ 51 ] عن جعدة بن يحيى أن ناسا من المسلمين أتوا نبي الله بكتب قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود ، فلما نظر فيها ألقاها ، ثم قال : كفى بها حماقة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء غير نبيهم به إلى قوم غيرهم فنزلت الآية .

والرواية لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة . وهي مدنية الطابع في حين أنه لا خلاف في مكية الآية . وبالإضافة إلى هذا فإن الآية منسجمة أشد الانسجام نظما وموضوعا بما قبلها وما بعدها . والخطاب فيها موجه إلى الذين تحدوا النبي باستنزال آية من ربه ؛ حيث يصح القول : إن الرواية غير محتملة الصحة كمناسبة لنزول الآية . وكل ما يمكن أن يصح إذا صحت الرواية أن يكون النبي قد رد على الذين ظنوا أنهم فعلوا صوابا بنقلهم بعض ما يقوله اليهود ، وأن الآية تليت في هذه المناسبة . والذي يتبادر لنا أن الآيات استمرار في حكاية موقف الجدل الذي بدئت به الآيات السابقة ومتصلة بالسياق . ومن المحتمل أن يكون التحدي من جاحدي الكتابيين كما يحتمل أن يكون من جاحدي المشركين . وإن كانت الآيات التالية لهذه الآيات ترجح الاحتمال الثاني .

تعليق على آية

{ وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه . . } وآية

{ أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم . . . }

وتحدي الكفار النبي صلى الله عليه وسلم بالإتيان بالمعجزات والآيات كان يتكرر في كل مناسبة جدلية على ما حكته آيات عديدة في سور عديدة سبق تفسيرها . وقد اقتضت حكمة الله أن لا يظهر على يد رسوله معجزة إجابة للتحدي وبرهانا على صدق رسالته ؛ لأن هذه الرسالة في غنى عن المعجزة مما انطوى في آيات كثيرة وشرحناه في سياق سورة المدثر وكان جواب القرآن لهم منطويا على ذلك المعنى ، ثم على ما انطوى في هذه الآيات في مواضع عديدة من أن القرآن آية عظمى فيها المقنع لمن حسنت نيته ورغب في الحق والهدى . وقد يرد على البال معجزة انشقاق القمر وقد شرحنا هذا الأمر في سياق تفسير سورة القمر بما يغني عن التكرار .

والتساؤل الاستنكاري الذي بدأت به الآية [ 51 ] ينطوي على تنديد قوي لمن غلظ قلبه وخبثت نيته وعميت بصيرته فلم ير نور القرآن الهادي السنيّ ولم ينفذ إليه روحه وروحانيته وظل يعاند ويتحدى ، كما أن الآية تجمعت فيها قوة رائعة من تقرير كون القرآن هو أعظم آية مصدقة لنبوة النبي فيما احتواه من الرحمة والتذكرة البالغة والأسس الكافلة لصلاح الدين والدنيا . والرد الذي احتوته انطوى في الوقت نفسه على الرد على ما كان يقوم في أذهان الكفار من لزوم حدوث الخوارق في معرض تأييد نبوة النبي ودعوته .

فليس ذلك من الضروري في صدد الدعوى إلى الحق والهدى ؛ لأن في طبيعة الدعوة ومبادئها وأهدافها المبينة في القرآن مؤيدات كافية لصدق النبي في دعوته وصلتها بوحي الله . وهي مؤيدات خالدة قائمة للعيان في كل آن في حين أن الخوارق غير متصلة بطبيعة وأهداف الدعوة وغير دائمة . وكانت دائما موضع نقاش وتكذيب ولم تفد في تأييد دعوة الأنبياء السابقين وبخاصة بالنسبة للذين بيتوا الجحود والتكذيب لأسباب شخصية واستكبارا في الأرض ومكر السيئ . وروح الآيات ، كما أن نصوص وروح الآيات الكثيرة انطوت على هذا الرد أو ما في معناه مما مر منه أمثلة كثيرة .