فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحۡمَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (51)

{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 51 ) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 52 ) }

{ أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } مستأنفة للرد على اقتراحهم ، وبيان بطلانه أي ولم يكف المشركين من الآيات التي اقترحوها هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله أو بسورة منه فعجزوا ولو أتيتهم بآيات موسى أو بآيات غيره من الأنبياء لقالوا : سحر ، ونحن لا نعرف السحر والكلام مقدور لهم ومع ذلك عجزوا عن المعارضة ولما آمنوا كما لم يؤمنوا بالقرآن الذي يتلى عليهم في كل زمان ومكان فلا تزال معهم آية ثابتة لا تزول كما تزول كل آية بعد كونها ، أو تكون في مكان دون مكان ، والمعنى أن القرآن معجزة أتم من معجزة من تقدم من الأنبياء ، مغنية عن سائر الآيات ، لأن معجزة القرآن تدوم على مر الدهور والزمان ، ثابتة لا تضمحل كغيرها من الآيات .

{ إن في ذلك } الكتاب الموجود في كل مكان وزمان إلى آخر الدهور الموصوف بما ذكر { لرحمة } عظيمة في الدنيا والآخرة { وذكرى } في الدنيا يتذكرون بها وترشدهم إلى الحق { لقوم يؤمنون } أي لقوم يصدقون بما جئت به من عند الله فإنهم هم الذين ينتفعون بذلك .

أخرج الدارمي وأبو داود في مراسيله وغيرهما . . عن يحيى بن جعدة قال : جاء أناس من المسلمين بكتب قد كتبوها ، فيها بعض ما سمعوه من اليهود ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كفى بقوم حمقا أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم ، فنزلت ، أو لم يكفهم الآية " .

وعن الزهري : أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقرؤه ، والنبي صلى الله عليه وسلم يتلون وجهه فقال : " والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتوه وتركتموني لضللتم " .

وعن عبد الله بن الحرث الأنصاري قال : دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فيه مواضع من التوراة فقال : هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب أعرضها عليك : فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم تغيرا شديدا لم أر مثله قط فقال عبد الله بن الحرث لعمر : أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : رضينا بالله ربا ؛ وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم ، أنا حظكم من النبيين ، وأنتم حظي من الأمم . أخرجه عبد الرزاق وابن مسعود وابن الضريس .

وأخرج البيهقي وضعفه ، عن عمر بن الخطاب قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعلم التوراة فقال : لا تتعلمها وآمن بها ، وتعلموا ما أنزل إليكم وآمنوا به " .