التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{أَمۡ لَهُ ٱلۡبَنَٰتُ وَلَكُمُ ٱلۡبَنُونَ} (39)

{ أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ( 35 ) أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون( 36 ) أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون ( 37 )أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين( 38 ) أم له البنات ولكم البنون( 39 ) أم تسألهم أجرا فهم من مغرم 1 مثقلون ( 40 ) أم عندهم الغيب فهم يكتبون 2 ( 41 ) أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون( 42 ) أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون( 43 ) }[ 53-43 ] .

وفي هذه الآيات أسئلة استنكارية أخرى فيها كذلك تنديد بعقائد الكفار

ومواقفهم واعتدادهم وتهكم بهم وتحد لهم :

1- فهل بلغ فيهم الاعتداد والتناقض إلى أنهم كادوا يظنون أنه لم يخلقهم خالق ، أو أنهم خلقوا أنفسهم ، أو خلقوا السماوات والأرض ، أو ملكوا خزائن الله وسيطروا على ملكه حتى لم يعدوا يخشون نقمته .

2- أم لهم سلم يصعدون عليه إلى السماء ويطلعون على الغيب ، فعرفوا أنهم على حق واستغنوا بذلك عن رسالة الله بلسان رسوله ، وهلا تقدم الذي استمع إلى أخبار السماء واطلع على الغيب منهم فيدلي بما عنده من برهان .

3- أم تفوقوا على الله فكان نصيبهم البنين بينما جعلوا نصيبه البنات .

4- وهل عندهم علم الغيب فهم يقررون مصائر الناس ويقضون فيها بما يرون .

5 - وهل رأوا رسولهم يسألهم أجرا على رسالته حتى يستثقلون الأمر ويعرضون عن دعوته إلى الحق والهدى .

6- وهل موقفهم منه بقصد الكيد له والنكاية به مع أن ذلك إنما هو الحقيقة كيد لأنفسهم .

7-وهل يعرفون إلها غير الله يلجأون إليه ويحتمون به حتى بلغت الجرأة فيهم هذا المبلغ تعالى الله وتنزه عما يشركون .

وواضح أن الآيات استمرار للآيات السابقة سياقا وموضوعا ، وقد جاءت قوية لاذعة منطوية على تقرير عجزهم وإفكهم وكذبهم فضلا عن السخرية والتنديد بهم . وفيها في الوقت نفسه تصوير لشدة عناد ومكابرة المشركين وبخاصة زعمائهم .

وأكثر الأقوال والأسئلة والمواقف المحكية عن الكفار ورد في سور أخرى سابقة حيث يبدو أنها كانت تتكرر منهم أو تتجدد من قبل فريق بعد فريق فكانت حكمة التنزيل تقتضي تكرارها .

ولقد روى البخاري في سياق تفسير السورة حديثا عن جبير بن مطعم قال :

( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآيات : { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون 35 أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون 36 أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون } [ الطور : 35-37 ] كاد قلبي أن يطير ){[2032]} ، حيث ينطوي في الحديث صورة رائعة لما كان للآيات القرآنية الزاجرة من تأثير قوي في نفوس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم .


[2032]:التاج ج 4 ص 219.