معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ} (19)

وقوله عز وجل : { وَما لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى } .

يقول : لم ينفق نفقته مكافأة ليد أحد عنده ، ولكن أنفقها ابتغاء وجه ربه ، فإلاّ في هذا الموضع بمعنى ( لكن ) وقد يجوز أن تجعل الفعل في المكافأة مستقبلا ، فتقول : ولم يُرد مما أنفق مكافأةً من أحد . ويكون موقع اللام التي في أحدٍ في الهاء التي [ 141/ب ] خفضتها عنده ، فكأنك قلت : وماله عن أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها ، وكلا الوجهين حسن ، قال الفراء : ما أدري أي الوجهين أحسن ، وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه إذا كان المعنى معروفا .

وقد قال الشاعر :

لقد خفت حتى ما تزيدُ مخافتي *** على وعلٍ في ذي المكاره عاقِل

والمعنى : حتى ما تزيد مخافة ( وعل ) على مخافتي ، ومثله من غير المخفوض قول الراجز :

إن سراجا لكريم مفخره *** تحلى به العين إذا ما تجهره

قال الفراء : حلِيت بعيني ، وحلَوت في صدري والمعنى : تحلى بالعين إذا ما تجهره ، ونصبُ الابتغاء من جهتين : من أن تجعل فيها نية إنفاقه ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه . والآخر على اختلاف ما قبْلَ إلاّ وما بعدها : والعرب تقول : ما في الدار أحد إِلاَّ أكلباً وأحمرةً ، وهي لغة لأهل الحجاز ، ويتبعون آخر الكلام أوله فيرفعون في الرفع ، وقال الشاعر في ذلك :

وبلدةٍ ليس بها أنيس *** إِلاّ اليعافير وإِلاّ العيس

فرفع ، ولو رفع ( إلا ابتغاء وجه ربه ) رافع لم يكن خطأ ؛ لأنك لو ألقيت من : من النعمة لقلت : ما لأحد عنده نعمةٌ تجزى إِلا ابتغاء ، فيكون الرفع على اتباع المعنى ، كما تقول : ما أتاني من أحد إِلاَّ أبوك .