الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَوَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ ءَايَةً أَن يَعۡلَمَهُۥ عُلَمَـٰٓؤُاْ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (197)

قوله : { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً } : قرأ ابن عامر " تكن " بالتاء مِنْ فوقُ " آيةٌ " بالرفع . والباقون " يكنْ " بالياء مِنْ تحتُ " آيةً " بالنصب . وابن عباس " تكن " بالتاء مِنْ فوقُ و " آيةً " بالنصبِ . فأمَّا قراءةُ ابن عامرٍ ف " تكون " تُحتمل أَنْ تكونَ تامةً ، وأَنْ تكونَ ناقصةً . فإن كانَتْ تامةً جاز أن يكونَ ِ " لهم " متعلقاً بها ، و " آيةٌ " فاعلاً بها . و " أَنْ يعلَمَه " : إمَّا بدلٌ مِنْ آية ، وإمَّا خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : أو لم يَحْدُثْ لهم علامَةُ عِلْمِ علماءِ بني إسرائيل .

وإنْ كانَتْ ناقصةً جاز فيها أربعةُ أوجهٍ ، أحدها : أَنْ يكونَ اسمُها مضمراً فيها بمعنى القصةِ ، و " آيةٌ أَنْ يَعْلَمَه " جملةٌ قُدِّم فيها الخبرُ واقعةٌ موقعَ خبر " تكن " . الثاني : أن يكونَ اسمُها ضميرَ القصةِ أيضاً ، و " لهم " خبرٌ مقدمٌ ، و " آيةٌ " مبتدأٌ مؤخر ، والجملةُ خبر " تكن " و " أَنْ يعلَمَه " : إمَّا بدلٌ من " آيةٌ " ، وإمَّا خبرُ مبتدأ مضمرٍ ، أي : هي أَنْ يعلَمه . الثالث : أَنْ يكونَ " لهم " خبرَ " تكنْ " مقدَّماً على اسمها ، و " آيةٌ " اسمُها و " أَنْ يعلَمَه " على الوجهين المتقدِّمين : البدليةِ وخبرِ ابتداءٍ مضمرٍ . الرابع : أَنْ يكونَ " آيةٌ " اسمَها و " أَنْ يعلمَه " خبرُها . وقد اعتُرِضَ هذا : بأنه يَلْزَمُ جَعْلُ الاسمِ نكرةً ، والخبرِ معرفةً . وقد نصَّ بعضُهم على أنه ضرورةٌ كقوله :

3533 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** ولا يَكُ مَوْقِفٌ منكِ الوَداعا

وقوله :

3534 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** يكون مزاجَها عَسَلٌ وماءُ

وقد اعتُذِر عن ذلك : بأنَّ " آية " قد تخصَّصَتْ بقوله : " لهم " فإنه حالٌ منها ، والحال صفة ، وبأن تعريفَ الجنسِ ضعيفٌ لعمومه . وهو اعتذارٌ باطلٌ ولا ضرورةَ تَدْعُو إلى هذا التخريجِ ، بل التخريجُ ما تقدم .

وأمَّا قراءةُ الباقينَ فواضحةٌ جداً ف " آيةً " خبرٌ مقدمٌ ، و " أَنْ يَعْلَمه " اسمُها مؤخرٌ ، و " لهم " متعلِّقٌ بآية حالاً مِنْ " آية " .

وأمَّا قراءةُ ابنِ عباس فكقراءةِ { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهم إلاَّ أَنْ قَالوا } [ الأنعام : 23 ] وكقول لبيد :

فمضَى وقدَّمها وكانت عادَةً *** منه إذا هي عَرَّدَتْ إقدامُها

إمَّا لتأنيثِ الاسمِ لتأنيِث [ الخبر ] ، وإمَّا لأنه بمعنى المؤنث . ألا ترى أنَّ " أَنْ يعلَمَه " في قوةِ " المعرفةِ " و " إلاَّ أَنْ قالوا " في قوة " مقالتهم " وإقدامها " بإقدامتها " .

وقرأ الجحدريُّ : " أَنْ تعلمَه " بالتاء من فوق . شَبَّه البنين بجمع التكسير في تغيُّر واحدِه صورةً ، فعامَلَ فعلَه المسندَ إليه معاملةَ فعلِه في لَحاقِ علامةِ التأنيثِ . وهذا كقوله :

قالَتْ بنو عامرٍ خالُوا بني أَسَدٍ *** يا بؤسَ للجَهْلِ ضَرَّاراً لأَقْوامِ

وكتبوا في الرسم الكريم " عُلَمؤا " بواو الميمِ والألف . قيل : هو على لغة مَنْ يُميل الألفَ نحو الواوِ ، وهذا كما فُعِلَ في الصلاةِ والزكاةِ .