الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ} (103)

قوله : { فَلَمَّا أَسْلَمَا } : في جوابِها ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها - وهو الظاهرُ - أنَّه محذوفٌ ، أي : نادَتْه الملائكةُ ، أو ظهرَ صَبْرُهما أو أَجْزَلْنا لهما أَجْرَهما . وقدَّره بعضُهم : بعد الرؤيا أي : كان ما كان مِمَّا يَنْطِقُ به الحالُ والوصفُ ممَّا لا يُدْرَكُ كُنْهُه . ونقل ابن عطية أنَّ التقديرَ : فلمَّا أَسْلَما أَسْلَما وَتلَّه ، قال : كقوله :

3818 فلمَّا أَجَزْنا ساحةً الحَيِّ . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي : فلمَّا أَجَزْنا أَجَزْنا وانتحى ، ويُعْزَى هذا لسبيويه وشيخِه الخليلِ . وفيه نظرٌ : من حيثُ اتِّحادُ الفعلَيْنِ الجارِيَيْنِ مَجْرى الشرط والجواب . إلاَّ أَنْ يُقال : جَعَلَ التغايرُ في الآية بالعطفِ على الفعل ، وفي البيت يعمل الثاني في " ساحة " وبالعطف عليه أيضاً . والظاهر أنَّ مثلَ هذا لا يكفي في التغاير .

الثاني : أنه " وتَلَّه للجبين " والواوُ زائدةٌ وهو قولُ الكوفيين والأخفشِ . والثالث : أنه " وناديناه " والواوُ زائدةٌ أيضاً .

وقرأ علي وعبد الله وابن عباس " سَلَّما " . وقُرئ " اسْتَسْلَما " .

و " تَلَّه " أي : صَرَعَه وأسقطه على شِقِّه . وقيل : هو الرميُ بقوةٍ ، وأصله : مِنْ رَمَى به على التلِّ وهو المكانُ المرتفع ، أو من التليل وهو العنُقُ أي : رماه على عُنُقِه ، ثم قيل لكل إسقاطٍ ، وإن لم يكنْ على تَلّ ولا على عُنُق . والمِتَلُّ : الرُّمْحُ الذي يُتَلُّ به . والجبينُ : ما اكْتَنَفَ الجبهةَ مِنْ هنا ، ومِنْ هنا وشَذَّ جمعُه على أَجْبُن . وقياسُه في القلَّةِ أَجْبِنَة كأَرْغِفَة ، وفي الكثرة : جُبُن وجُبْنان كرَغيف ورُغْفان ورُغُفُ .