الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٞ وَمِن فَوۡقِهِمۡ غَوَاشٖۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

وقوله تعالى : { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ } : والجملةُ محتملة للحالية والاستئناف ، ويجوز حينئذ/ في " مهاد " أن تكون فاعلاً ب " لهم " فتكون الحال من قبيل المفردات ، وأن تكون مبتدأ فتكون من قبيل الجمل . و " من جهنم " حال من " مِهاد " لأنه لو تأخر عنه لكان صفةً ، أو متعلِّقٌ بما تعلَّق الجارُّ قبله .

وغَواشٍ : جمع غاشية . وللنحاة في الجمع الذي على مفاعل إذا كان منقوصاً بقياسٍ خلافٌ : هل هو منصرف أو غير منصرف ؟ فبعضهم قال : هو منصرفٌ لأنه قد زال [ منه ] صيغة منتهى الجموع فصار وزنُه وزن جَناح وقَذَال فانصرف . وقال الجمهور : هو ممنوع من الصرف ، والتنوينُ تنوينُ عوض . واختُلِفَ في المُعَوَّض عنه ماذا ؟ فالجمهور على أنه عوضٌ من الياء المحذوفة . وذهب المبرد إلى أنه عوضٌ من حركتها . والكسرُ ليس كسرَ إعراب ، وهكذا جَوارٍ ومَوالٍ . وبعضهم يجرُّه بالفتحة قال :

ولو كان عبدُ الله مولىً هجوتُه *** ولكنَّ عبدَ اللهِ مَوْلَى مَواليا

وقال آخر :

قد عَجِبَتْ مني ومن يُعَيْلِيا *** لَمَّا رَأَتْني خَلَقاً مُقْلَوْلِيا

وهذا الحكمُ ليس خاصاً بصيغة مَفاعل ، بل كل غير منصرف إذا كان منقوصاً فحكمه حكم ما تقدم نحو : يُعَيْلٍ تصغير يَعْلى ، ويَرْمٍ اسم رجل ، وعليه قولُه : " ومن يُعَيْلِيا " ، وبعضُ العرب يُعْرب " غواشٍ " ونحوه بالحركات على الحرف الذي قبل الياء المحذوفة فيقول : هؤلاء جوارٌ ، وقرئ { وَمن فوقهم غواشٌ } برفع الشين وهي كقراءة عبد الله { وله الجوارُ } [ الرحمن : 24 ] برفع الراء . وقد حرَّرْتُ هذه المسألةَ وما فيها من المذاهبِ واللغات في موضوعٍ غير هذا .

قوله : { وَكَذلِكَ } تقدَّم مثله . وقوله { الظَّالِمِينَ } يحتمل أن يكون من باب وقوع الظاهرِ موقع المضمر . والمراد بالظالمين المجرمون ، ويحتمل أن يكونوا غيرَهم وأنهم يُجْزَون كجزائهم .