اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٞ وَمِن فَوۡقِهِمۡ غَوَاشٖۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

قوله : { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ } هذه الجملة محتملة للحاليّة والاستئناف ، ويجوزُ حينئذ في " مهاد " أن تكون فاعلاً ب " لهم " فتكون الحال من قبيل المفردات ، وأن تكون متبدأ ، فتكون من قبيل الجمل .

و " مِنْ جَهَنَّمَ " حال من " مِهَاد " ؛ لأنَّهُ لو تأخر عنه لكان صفة ، أو متعلق بما تعلَّق به الجار قبله .

و " جَهَنَّم " لا تنصرف لاجتماع التَّأنيث والتعريف .

وقيل : اشتقاقه من الجهومة ، وهي الغلظ يقال : رجل جهم الوجْهِ أي غَلِيظه ، فسميت بهذا الغلظ أمرها في العذاب .

و " المِهَاد " جمع : مَهْدٍ ، وهو الفراشُ .

قال الأزهريُّ{[16135]} : " المَهْدُ في اللُّغة الفرش ، يقال للفراش : مِهَادٌ " .

قوله : { وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } غواشٍ : جمع غاشية ، وللنُّحاة في الجمع الذي على فواعل إذا كان منقوصاً بقياس خلاف : هل هو مُنْصَرِفٌ ؟ .

فبعضهم قال : هو مَنْصرفٌ ؛ لأنه قد زال [ منه ] صيغة منتهى الجموع ، فصار وزنُهُ وَزْنَ جَنَاحٍ وَقَذالٍ فانصرف .

وقال الجَمْهُورُ : هو ممنوعٌ من الصَّرف ، والتنوين تنوين عوضٍ .

واختلف في المعوِّض عَنْهُ ماذا ؟ فالجمهور على أنَّهُ عوض من الياء المَحْذُوفَةِ .

وذهب المُبردِ إلى أنَّهُ عوض من حركتها ، والكسرُ ليس كسر إعراب ، وهكذا : حَوَارٍ وموالٍ{[16136]} وبعضهم يجرُّه بالفتحة ، قال : [ الطويل ]

وَلَوْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ مَوْلىً هَجَوْتُهُ *** ولَكِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى مَوَالِيَا{[16137]}

وقال آخر : [ الرجز ]

قَدْ عَجِبَتْ مِنِّي وَمِنْ يُعَيْلِيَا *** لمَّا رَأتْنِي خَلَقاً مُقْلُوْلِيَا{[16138]}

وهذا الحكمُ ليس مختصاً بصيغة مفاعل ، بل كلُّ غير منصرف إذا كان منقوصاً ، فحكمهُ ما تقدَّم نحو : يُعيْل تصغير يَعْلَى ويَرْم اسم رجل ، وعيله قوله : " وَمِنْ يَعَيْلِيَا " وبعض العرب يعرب " غواش " ونحوه بالحركاتِ على الحرف الذي قبل الياء المحذوفة ، فيقول : هؤلاء جوارٍ .

وقرئ :{[16139]} " ومِنْ فَوْقِهِم غَوَاشٌ " برفع الشين ، وهي كقراءة عبد الله : { وَلَهُ الجوار } [ الرحمن : 24 ] برفع الراء .

فإن قيل : " غَوَاش " على وزن فواعل ؛ فيكون غير منصرف فكيف دخله التنوين ؟ .

فالجوابُ : على مذهب الخَلِيلِ وسيبويهِ أنَّ هذا جمع ، والجمع أثقل من الواحد ، وهو أيضاً الجمع الأكبر الذي تتناهى الجموع إليه ، فزاده ذلك ثقلاً ، ثم وقعت الياء في آخره وهي ثقيلة ، فلمَّا اجتمعت فيه هذه الأشياء خفَّفوه بحذف الياء ، فلَّما حذفوا الياء نقص عن مثال " فوَاعل " فصار غواش بوزن جناح ، فدخلهُ التَّنوين لنقصانه عن هذا المثال{[16140]} .

قال المفسِّرون : معنى الآية : الإخبارُ عن إحاطة النَّار بهم من كل جانب قوله : وكذلِكَ " تقدم مثله [ الأعراف : 40 ] .

وقوله : " والظَّالمِيْنَ " يحتمل أن يكون من باب وقوع الظَّاهر موقع المضمر ، والمراد ب " الظَّالمِينَ " المجرمون ، ويحتمل أن يكونوا غيرهم ، وأنَّهُم يُجزون كجزائهم .


[16135]:ينظر : تهذيب اللغة للأزهري 6/229.
[16136]:تنوين المنقوص مثل جوار وغواش ليس تنوين تمكين فلا يمتنع من الأفعال كما لا يمتنع تنوين الترنم وكان يونس وعيسى وأبو زيد والكسائي فيما حكاه أبو عثمان ينظرون إلى جوار ونحوه من المنقوص فكلما كان له نظير من الصحيح مصروف صرفوه، وما لم يكن نظيره مصروفا لم يصرفوه، وفتحوه في موضع الجر كما يفعلون في غير المعتل ويسكنونه في موضع الرفع خاصة ففتحوه في موضع الجر كما في البيت الذي معنا. وهو قول أهل بغداد، والصرف قول الخليل وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء وابن أبي إسحق وسائر البصريين. (ابن يعيش 1/64) فالأكثر على أن جوار كقاض رفعا وجرا وقد جاء عن بعض العرب جواري كمولى مواليا فهو ضرورة إذا احتاج إليها الشاعر أو اضطر إليها فمن حقه أو إجراء للمعتل مجرى الصحيح إخراجا له على الأصل فلا يصرفه.
[16137]:البيت للفرزدق ينظر، خزانة الأدب 1/235، شرح أبيات سيبويه 2/311 سيبويه 2/58، 59، المقتضب 1/143، ما ينصرف وما لا ينصرف 114، العيني 4/375، ابن سلام 17، الشعراء 76، ابن يعيش 1/64، التصريح 2/229، الهمع 1/36، اللسان (ولى) أوضح المسالك 3/161، المقاصد النحوية 4/375، الدرر اللوامع 1/11، طبقات الزبيدي 275، منهج السالك 3/273. شرح اللمع 2/488، الإفصاح للفارقي 294، الكافية 1/58، ومراتب النحويين 31، والدر المصون 3/27.
[16138]:البيت للفرزدق ينظر: الكتاب 3/315، الخصائص 1/6 الهمع 1/36، الأشموني 3/373، التصريح 2/228، المقتضب 1/280، الدر المصون 3/271، المنصف 2/68-79 العيني 4/359 اللسان (علا-قلا).
[16139]:ينظر: البحر المحيط 4/300، والدر المصون 3/271.
[16140]:ينظر: تفسير الرازي 14/64-65.