الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ثُمَّ إِنِّي دَعَوۡتُهُمۡ جِهَارٗا} (8)

قوله : { جِهَاراً } : يجوزُ أَنْ يكونَ مصدراً من المعنى ؛ لأنَّ الدعاءَ يكونُ جهاراً وغيرَه ، فهو من باب : قَعَدَ القُرْفُصاءَ ، وأَنْ يكونَ المرادُ ب " دَعَوْتُهم " : جاهَرْتُهم ، وأَنْ يكونَ نعتَ مصدرٍ محذوفٍ أي : دعاءً جِهاراً ، وأَنْ يكونَ مصدراً في موضعِ الحالِ أي : مُجاهِراً ، أو ذا جِهارٍ ، أو جُعِل نفسَ المصدرِ مبالغةً . قال الزمخشريُّ : " فإنْ قلتَ : ذَكَرَ أنَّه دعاهم ليلاً ونهاراً ، ثم دعاهم جِهاراً ، ثم دعاهم في السِّرِّ والعَلَنِ فيجب أَنْ تكونَ ثلاثَ دَعَوات مختلفات حتى يَصِحَّ العطفُ " قلت : قد فَعَلَ عليه السلام كما يَفْعَلُ الذي يَأْمُرُ بالمعروفِ ويَنْهى عن المنكر في الابتداءِ بالأَهْوَنِ ، والترقِّي في الأشَدِّ فالأشُدِّ ، فافتتح في المناصحةِ بالسِّرِّ ، فلمَّا لم يَقْبلوا ثَنَّى بالمجاهرة ، فلمَّا لم يَقْبلوا ثَلَّثَ بالجَمْعِ بين الإسرار والإِعلان . ومعنى " ثم " الدلالةُ على تباعُدِ الأحوالِ ، لأنَ الجِهارَ أغلظُ من الإِسرارِ ، والجمعُ بين الأمرَيْن أغلظُ مِنْ إفرادِ أحدِهما " . قال الشيخ : " وتكرَّرَ كثيراً له أنَّ " ثُمَّ " للاستبعادِ ولا نَعْلَمُه لغيرِه " . قلت : هذا القول بعدما سَمِعْتَ من ألفاظِ الزمخشريِّ تحامُلٌ عليه .