الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ} (43)

قوله : { يَوْمَ يَخْرُجُونَ } : يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " يَوْمَهم " أو منصوباً بإضمار أَعني . ويجوزُ على رَأْيِ الكوفيين أن يكون خبرَ ابتداءٍ مضمرٍ ، وبُنِي على الفتحِ ، وإنْ أُضيفَ إلى مُعْربٍ ، أي : هو يومَ يَخْرُجون ، كقولِه : { هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ } وقد مَرَّ الكلامُ فيه مُشْبعاً . والعامَّةُ على بناءِ " يَخْرُجون " للفاعلِ ، ورُوي عن عاصمٍ بناؤُه للمفعولِ .

قوله : { سِرَاعاً } حالٌ مِنْ فاعل " يَخْرُجون " جمعَ سريع كظِراف في ظَريف . و " كأنَّهم " حالٌ مِنْ ضميرِ الحالِ فتكونُ متداخلةً .

قوله : { إِلَى نُصُبٍ } متعلِّقٌ بالخبرِ . والعامَّةُ على " نَصْبٍ " بالفتح والإِسكان ، وابنُ عامر وحفصٌ بضمتين ، وأبو عمران الجوني ومجاهد بفتحتَيْن ، والحسنُ وقتادةُ بضمةٍ وسكون . فالأُولى هو اسمٌ مفردٌ بمعنى العَلَم المنصوبِ الذي يُسْرِع الشخصُ نحوَه . وقال أبو عمروٍ : " هو شَبَكَةُ الصائدِ يُسْرِع إليها عند وقوعِِ الصيدِ فيها مخافةَ انفلاتِه " . وأمَّا الثانيةُ فتحتمل ثلاثَة أوجهٍ . أحدها :/ أنه اسمٌ مفردٌ بمعنى الصَّنَمِ المنصوبِ للعبادة ، وأنشد للأعشى :

وذا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَعْبُدَنَّه *** لعاقبةٍ واللَّهَ ربَّك فاعْبُدَا

الثاني : أنه جمعُ نِصاب ككُتُب في كِتاب . الثالث : أنه جمعُ نَصْبٍ نحو : رَهْن في رُهُن ، وسَقْف في سُقُف ، وهذا قولُ أبي الحسن . وجَمْعُ الجمعِ أَنْصاب . وأمَّا الثالثةُ فَفَعَل بمعنى مَفْعول ، أي : مَنْصوب كالقَبَضِ والنَّقَضِ . والرابعةُ تخفيفٌ من الثانية

ويُوْفِضونَ ، أي : يُسْرعون . وقيل : يَسْتَبْقون . وقيل : يَسْعَوْن . وقيل : يَنْطَلقون . وهي متقاربَةٌ . وأنشد :

فوارِسُ ذُبْيانَ تحت الحَدِيْ *** دِ كالجِنِّ تُوْفِضُ مِنْ عَبْقَرِ

وقال آخر :

لأَنعتَنْ نَعامةً مِيفاضا *** خَرْجاءَ [ تَعْدُو ] تَطْلُبُ الإِضاضا

أي مُسْرِعة .