ثم قال : { أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ } أي : لو أخرناهم وأنظرناهم ، وأملينا لهم برهة من الزمان وحينًا من الدهر وإن طال ، ثم جاءهم أمر الله ، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعم ، { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [ النازعات : 46 ] ، وقال تعالى : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ } [ البقرة : 96 ] ، وقال تعالى : { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى } [ الليل : 11 ] ؛ ولهذا قال : { مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ } .
وفي الحديث الصحيح : " يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة{[21872]} ، ثم يقال له : هل رأيت خيرًا قط ؟ هل رأيت نعيمًا قط ؟ فيقول : لا [ والله يا رب ]{[21873]} . ويؤتى بأشد الناس بؤسًا كان في الدنيا ، فيصبغ في الجنة صبغة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسًا قط ؟ فيقول : لا والله يا رب " أي : ما كأن شيئًا كان{[21874]} ؛ ولهذا كان عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت :
كأنَّك لَمْ تُوتِر من الدّهْر لَيْلَةً *** إذا أنْتَ أدْرَكْتَ الذي كنتَ تَطْلُبُ
{ ثم جاءهم } معطوف على جملة الشرط المعترضة ، و { ثم } فيه للترتيب والمهلة ، أي جاءهم بعد سنين . وفيه رمز إلى أن العذاب جائيهم وحالّ بهم لا محالة . و { ما كانوا يوعدون } موصول وصلته . والعائد محذوف تقديره : يوعدونه .
جملة : { ما أغنى عنهم } سادة مسدّ مفعولي ( رأيتَ ) لأنه معلَّق عن العمل بسبب الاستفهام بعده . و { ما كانوا يمتعون } موصول وصلتُه . والعائد محذوف تقديره : يمتعونه .
والمعنى : أعلمتَ أن تمتيعهم بالسلامة وتأخير العذاب إن فرض امتدادُه سنين عديدة غير مغن عنهم شيئاً إن جاءهم العذاب بعد ذلك . وهذا كقوله تعالى : { ولئن أخَّرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولُنّ ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن } [ هود : 8 ] ، وذلك أن الأمور بالخواتيم . في « تفسير القرطبي » : روى ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ : { أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يُمَتّعون } ثم يبكي ويقول :
نهارك يا مغرور سهو وغفلة *** وليلك نوم والردى لك لازم
فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم *** ولا أنت في النّوّام ناج فسالم
تُسرّ بما يفنى وتفرح بالمنى *** كما سُرّ باللذات في النوم حالم
وتسعى إلى ما سوف تكره غبّه *** كذلك في الدنيا تعيش البهائم
ولم أقف على صاحب هذه الأبيات قال ابن عطية : ولأبي جعفر المنصور قصة في هذه الآية . ولعل ما روُي عن عمر بن عبد العزيز رُوي مثيله عن المنصور .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ما أغنى عنهم} من العذاب {ما كانوا يمتعون} في الدنيا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 205]
يقول تعالى ذكره: ثم جاءهم العذاب الذي كانوا يوعدون على كفرهم بآياتنا، وتكذيبهم رسولنا، "ما أغْنَى عَنْهُمْ "يقول: أيّ شيء أغنى عنهم التأخير الذي أخّرنا في آجالهم، والمتاع الذي متعناهم به من الحياة، إذ لم يتوبوا من شركهم، هل زادهم تمتيعنا إياهم ذلك إلا خبالاً، وهل نفعهم شيئا، بل ضرّهم بازديادهم من الاَثام، واكتسابهم من الإجرام ما لو لم يمتعوا لم يكتسبوه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 205]
ما يغني تأخير العذاب عنهم وإمهالهم عن وقت، يمنعون من عذاب الله من شيء؟ أي لا ينفعهم ذلك. ويحتمل أن يكونوا سألوا العذاب في الظاهر، واستمهلوه في الحقيقة، فخرج قوله: {أفرأيت إن متعناهم سنين} الآيات جوابا لاستمهالهم، ويحتمل أن يكون: بعضهم استعجل العذاب، واستمهل غيرهم، فخرج هذا جواب من استمهل.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 206]
"ثم جاءهم ما كانوا يوعدون" به من العذاب، "ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون" معناه أنه لم يغن عنهم ما كانوا يمتعون، لازديادهم من الآثام، واكتسابهم من الإجرام، أي أي شئ يغني عنهم ما يمتعون به من النعم، لأنه فان كله، والاغناء عن الشيء صرف المكروه عنه بما يكفي عن غيره...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وقوله: (ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) أي: ما دفع عيشهم وتمتعهم بالدنيا من العذاب عنهم.
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
أنهم وإن طال تمتعهم بنعيم الدنيا فإذا أتاهم العذاب لم يغن عنهم طول التمتع شيئاً، ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ما ينفعهم حينئذٍ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 205]
أي: لو أخرناهم وأنظرناهم، وأملينا لهم برهة من الزمان وحينًا من الدهر وإن طال، ثم جاءهم أمر الله، أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعم..
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
أخبرني {ما} أي أيّ شيء {أغنى عنهم} أي فيما أخذهم من العذاب {ما كانوا} أي كوناً هو في غاية المكنة وطول الزمان {يمتعون} تمتيعاً هو في غاية السهولة عندنا، وصوره بصورة الكائن تنديماً عليه، والمعنى أنه ما أغنى عنهم شيئاً لأن عاقبته الهلاك، وزادهم بعداً من الله وعذابه بزيادة الآثام الموجبة لشديد الانتقام.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} من اللذات والشهوات، أي: أي شيء يغني عنهم، ويفيدهم، وقد مضت وبطلت واضمحلت، وأعقبت تبعاتها، وضوعف لهم العذاب عند طول المدة. القصد أن الحذر، من وقوع العذاب، واستحقاقهم له. وأما تعجيله وتأخيره، فلا أهمية تحته، ولا جدوى عنده.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 206]
{ثم جاءهم} معطوف على جملة الشرط المعترضة، و {ثم} فيه للترتيب والمهلة، أي جاءهم بعد سنين. وفيه رمز إلى أن العذاب جائيهم وحالّ بهم لا محالة.
والمعنى: أعلمتَ أن تمتيعهم بالسلامة وتأخير العذاب إن فرض امتدادُه سنين عديدة غير مغن عنهم شيئاً إن جاءهم العذاب بعد ذلك.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وإن المتعة التي يعقبها عذاب أليم لا تجدي ولا تنفع ولا ترفع، ولقد كانوا يتوهمون أن ما هم فيه من تمتع يكفيهم، ولكن {مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
فهل يجديهم هذا الإمهال نفعاً، وهل يدفع عنهم ضراً؟ وماذا يجديهم أمام إصرارهم على الاستمرار في الكفر إلا زيادةً في المسؤولية وخطورةً في النتائج السلبية على مستوى قضية المصير؟ {مَآ أَغْنَى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ} لأن ذلك الجو من الشهوات واللذات واللهو واللعب سيزول ويتبخّر أمام رياح الفناء وستبقى تبعاته وسيّئاته.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.