تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَمَنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (94)

أي : فمن كَذَب على الله وادَّعى أنه شَرَع لهم السبت والتمسك بالتوراة دائمًا ، وأنه لم يبعث نبيا آخر يدعو إلى الله بالبراهين والحُجَج بعد هذا الذي بَيَّنَّاه من وقوع النسخ وظهور ما ذكرناه { فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَمَنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (94)

قوله : { فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك } تحتمل الإشارة -بذلك- أن تكون إلى ثلاثة أشياء : أحدها : أن تكون إلى التلاوة إذ مضمنها بيان المذهب وقيام الحجة ، أي فمن كذب منا على الله تعالى أو نسب إلى كتب الله ما ليس فيها فهو ظالم واضع الشيء غير موضعه ، والآخر : أن تكون الإشارة إلى استقرار التحريم في التوراة ، لأن معنى الآية : { كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } [ آل عمران : 93 ] ، ثم حرمته التوراة عليهم عقوبة لهم ، { فمن افترى على الله الكذب } ، وزاد في المحرمات فهو الظالم ، والثالث : أن تكون الإشارة إلى الحال بعد تحريم إسرائيل على نفسه ، وقبل نزول التوراة ، أي من تسنن بيعقوب وشرع ذلك دون إذن من الله ، ومن حرم شيئاً ونسبه إلى ملة إبراهيم فهو الظالم ، ويؤيد هذا الاحتمال الأخير ، قوله تعالى { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم }{[3333]} فنص على أنه كان لهم ظلم في معنى التحليل والتحريم ، وكانوا يشددون فشدد الله عليهم ، كما فعلوا في أمر البقرة ، وبخلاف هذه السيرة جاء الإسلام في قوله صلى الله عليه وسلم : ( يسروا ولا تعسروا ) {[3334]} ، وقوله : ( دين الله يسر ) {[3335]} وقوله : ( بعثت بالحنيفية السمحة ){[3336]} .


[3333]:- من الآية (16) من سورة النساء.
[3334]:- أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، والإمام أحمد- عن أنس (الجامع الصغير: 2/656).
[3335]:- أخرجه البخاري وهو من أفراده، والنسائي عن أبي هريرة (القسطلاني: 1/123).
[3336]:- أخرجه الخطيب في التاريخ عن جابر. (الجامع الصغير: 1/427).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (94)

قوله : { فمن أفترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون } نهاية لتسجيل كذبهم أي من استمرّ على الكذب على الله ، أي فمن افترى منكم بعد أن جعلنا التَّوراة فيصلاً بيننا ، إذ لم يبق لهم ما يستطيعون أن يدّعُوه شُبهة لهم في الاختلاق ، وجُعل الافتراء على الله لتعلّقه بدين الله . والفاء للتفريع على الأمْر .

والافتراء : الكذب ، وهو مرادف الاختلاق . والافتراء مأخوذ من الفَرْي ، وهو قطع الجلد قِطعاً ليُصلح به مثل أن يحْذى النعل ويصنع النطع أو القِربة . وافترى افتعال من فرى لعلّهُ لإفادة المبالغة في الفَرْي ، يقال : افترى الجلد كأنَّه اشتدّ في تقطيعه أو قطعَه تقطيع إفساد ، وهو أكثر إطلاق افترى . فأطلقوا على الإخبار عن شيء بأنّه وقَعَ ولَم يقع اسم الافتراء بمعنى الكذب ، كأنّ أصله كناية عن الكذب وتلميح ، وشاع ذلك حتَّى صار مرادفاً للكذب ، ونظيره إطلاق اسم الاختلاق على الكذب ، فالافتراء مرادف للكذب ، وإردَافه بقوله هنا : « الكذب » تأكيد للافتراء ، وتكرّرت نظائر هذا الإرداف في آيات كثيرة .

فانتصب « الكذب » على المفعول المطلق الموكِّد لفعله . واللام في الكذب لتعريف الجنس فهو كقوله : { أفْتَرَى على اللَّه كَذِباً أمْ به جِنّة } [ سبأ : 8 ]

والكذب : الخبر المخالف لما هو حاصل في نفس الأمر من غير نظر إلى كون الخَبر موافقاً لاعتقاد المُخبر أو هو على خلاف ما يعتقده ، ولكنّه إذا اجتمع في الخبر المخالفة للواقع والمخالفة لاعتقاد المخبِر كان ذلك مذموماً ومسبَّة ؛ وإن كان معتقداً وقوعه لشبهة أو سوء تأمّل فهو مذموم ولكنّه لا يُحقَّر المخبر به ، والأكثر في كلام العرب أن يعنى بالكذب ما هو مذموم .