تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (30)

وقوله : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ } أي : إنما يظهر لكم آياته لتستدلوا بها على أنه الحق ، أي : الموجود الحق ، الإله الحق ، وأن كل ما سواه باطل فإنه الغني عما سواه ، وكل شيء فقير إليه ؛ لأن كل ما{[22987]} في السموات والأرض الجميع خلقه وعبيده ، لا يقدر أحد منهم على تحريك ذَرّة إلا بإذنه ، ولو اجتمع كل أهل الأرض على أن يخلقوا ذبابا لعجزوا عن ذلك ؛ ولهذا قال : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } أي : العلي : الذي لا أعلى منه ، الكبير : الذي هو أكبر من كل شيء ، فكل{[22988]} شيء خاضع حقير بالنسبة إليه .


[22987]:- في ت: "من".
[22988]:- في ت، ف: "وكل".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (30)

وقوله تعالى : { ذلك بأن الله هو الحق } الإشارة ب { ذلك } إلى هذه العبرة وما جرى مجراها ، ومعنى { هو الحق } أي صفة الألوهية له حق ، فيحسن في القول تقدير ذو ، وذلك الباب متى أخبر بمصدر عن عين فالتقدير ذو كذا وحق مصدر منه قول الشاعر :

فإنما هي إقبال وإدبار{[9387]} . . . وهذا كثير ومتى قلت كذا وكذا حق فإنما معناه اتصاف كذا بكذا حق ، وقوله { وأن ما تدعون من دونه } يصح أن يريد الأصنام وتكون بمعنى الذي ويكون الإخبار عنها ب { الباطل } على نحو ما قدمناه في { الحق } ، ويصح أن تكون { ما } مصدرية كأنه قال وأن دعاءكم من دونه آلهة الباطل أي الفعل الذي لا يؤدي إلى الغاية المطلوبة به ، وقرأ الجمهور «تدعون » بالتاء من فوق ، وقرأ «يدعون » بالياء ابن وثاب والأعمش وأهل مكة ورويت عن أبي عمرو ، وباقي الآية بين .


[9387]:هذا عجز بيت للخنساء، وهو من قصيدة مشهورة ترثي فيها أخاها صخرا، وتتحدث عن صفاته، والضمير (هي) يعود على الناقة التي فقدت ولدها فظلت حزينة قلقة تقبل وتدبر من شدة ما بها إذا ذكرت وليدها، وقد ذكرتها الخنساء في أبيات، قالت: فما عجول على بو تحيط به قد ساعدتها على التحنان أظآر أودى به الدهر عنها فهي مرزمة لها حنينان إصغار وإكبار ترتع ما غفلت حتى إذا ذكرت فإنما هي إقبال وإدبار والعجول: هي الواله من النساء أو الإبل التي فقدت وليدها، لعجلتها في الذهاب والمجيء، والمرزمة: من الإرزام، وهو ضرب من حنين الناقة على وليدها حين ترأمه بصوت تخرجه من حلقها لا تفتح به فاها، والشاهد هنا أنها أخبرت بمصدر عن عين، فقالت: (هي) أي الناقة، (إقبال وإدبار)، فوجب تقدير (ذات) للمؤنث كما تقدر (ذو) للمذكر، أي: ذات إقبال وإدبار.