ثم قال تعالى : { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير }
ولما ذكر تعالى أوصاف الكمال بقوله : { إن الله هو الغنى الحميد } وقوله : { إن الله عزيز حكيم } وقوله : { إن الله سميع بصير } وأشار إلى الإرادة والكمال بقوله : { ما نفدت كلمات الله } وبقوله : { يولج الليل في النهار } وعلى الجملة فقوله : { هو الغنى } إشارة إلى كل صفة سلبية فإنه إذا كان غنيا لا يكون عرضا محتاجا إلى الجوهر في القوام ، ولا جسما محتاجا إلى الحيز في الدوام ، ولا شيئا من الممكنات المحتاجة إلى الموجد ، وذكر بعده جميع الأوصاف الثبوتية صريحا وتضمنا ، فإن الحياة في ضمن العلم والقدرة قال ذلك بأن الله هو الحق أي ذلك الاتصاف بأنه هو الحق والحق هو الثبوت والثابت الله وهو الثابت المطلق الذي لا زوال له وهو الثبوت ، فإن المذهب الصحيح أن وجوده غير حقيقته فكل ما عداه فله زوال نظرا إليه والله له الثبوت والوجود نظرا إليه فهو الحق وما عداه الباطل لأن الباطل هو الزائل يقال بطل ظله إذا زال وإذا كان له الثبوت من كل وجه يكون تاما لا نقص فيه .
ثم اعلم أن الحكماء قالوا الله تام وفوق التمام وجعلوا الأشياء على أربعة أقسام ناقص ومكتف وتام وفوق التمام ( فالناقص ) ما ليس له ما ينبغي أن يكون له كالصبي والمريض والأعمى ( والمكتفي ) وهو الذي أعطى ما يدفع به حاجته في وقته كالإنسان والحيوان الذي له من الآلات ما يدفع به حاجته في وقتها لكنها في التحلل والزوال ( والتام ) ما حصل له كل ما جاز له ، وإن لم يحتج إليه كالملائكة المقربين لهم درجات لا تزداد ولا ينقص الله منها لهم شيئا كما قال جبريل عليه السلام « لو دنوت أنملة لاحترقت » لقوله تعالى : { وما منا إلا له مقام معلوم } ( وفوق التمام ) هو الذي حصل له ما جاز له وحصل لما عداه ما جاز له أو احتاج إليه لكن الله تعالى حاصل له كل ما يجوز له من صفات الكمال ونعوت الجلال ، فهو تام وحصل لغيره كل ما جاز له أو احتاج إليه فهو فوق التمام إذا ثبت هذا فنقول قوله : { هو الحق } إشارة إلى التمام وقوله : { وأن الله هو العلى الكبير } أي فوق التمام وقوله : { وهو العلى } أي في صفاته وقوله : { الكبير } أي في ذاته وذلك ينافي أن يكون جسما في مكان لأنه يكون حينئذ جسدا مقدرا بمقدار فيمكن فرض ما هو أكبر منه فيكون صغيرا بالنسبة إلى المفروض لكنه كبير من مطلقا أكبر من كل ما يتصور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.