تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٖ} (38)

وقوله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } : فيه تقرير المعاد ؛ لأن من قدر على خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن ، قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى .

وقال قتادة : قالت اليهود - عليهم لعائن الله - : خلق الله السموات والأرض في ستة أيام ، ثم استراح في اليوم السابع ، وهو يوم السبت ، وهم يسمونه يوم الراحة ، فأنزل الله تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه : { وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } أي : من إعياء ولا نصب ولا تعب ، كما قال في الآية الأخرى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الأحقاف : 33 ] ، وكما قال : { لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } [ غافر : 57 ] وقال { أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا } [ النازعات : 27 ] .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٖ} (38)

{ ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام } مر تفسيره مرارا . { وما مسنا من لغوب } من تعب وإعياء ، وهو رد لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٖ} (38)

وقوله تعالى : { ولقد خلقنا السماوات والأرض } الآية خبر مضمنه الرد على اليهود الذين قالوا إن الله خلق الأشياء كلها في ستة أيام ثم استراح يوم السبت فنزلت : { وما مسنا من لغوب } واللغوب : الإعياء والنصب والسأم ، يقال لغب الرجل يلغب إذا أعيى{[10569]} .

وقرأ السلمي وطلحة : «لَغوب » بفتح اللام . وتظاهرت الأحاديث بأن خلق الأشياء كان يوم الأحد وفي كتاب مسلم وفي الدلائل لثابت حديث مضمنه : أن ذلك كان يوم السبت وعلى كل قول فأجمعوا على أن آدم خلق يوم الجمعة . فمن قال إن البداءة يوم السبت جعل خلق آدم كخلق بنيه لا يعد مع الجملة الأولى وجعل اليوم الذي كملت المخلوقات عنده يوم الجمعة .


[10569]:في اللسان: لغب يلغب-بفتح الغين في الماضي وضمها في المضارع، ولغب-بكسر الغين- لغة ضعيفة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٖ} (38)

مناسبة اتصال هذه الآية بما قبلها أنه لما نزل قوله تعالى : { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها } [ ق : 6 ] إلى قوله : { لها طلع نضيد } [ ق : 10 ] ، وكان ذلك قريباً مما وصف في التوراة من ترتيب المخلوقات إجمالاً ثم نزل قوله بعد ذلك { أفَعَيِينَا بالخلْق الأول } [ ق : 15 ] كان بعض اليهود بمكة يقولون إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع ، وهذا مكتوب في سفر التكوين من « التوراة » .

والاستراحة تؤذن بالنَصَب والإعياء فلما فرغت الآية من تكذيب المشركين في أقوالهم عَطفت إلى تكذيب الذين كانوا يحدثونهم بحديث الاستراحة ، فهذا تأويل موقع هذه الآية في هذا المحل مع ما حكَى ابن عطية من الإجماع على أن هذه السورة كلها مكية وقد أشرنا إلى ذلك في الكلام على طليعة السورة فقول من قال نزلت في يهود المدينة تكلّف إذ لم يكن اليهود مقصورين على المدينة من بلاد العرب وكانوا يترددون إلى مكة .

فقوله : { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام } تكملة لما وَصف من خلق السماوات في قوله : { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها إلى قوله : من كل زوج بهيج } [ ق : 6 ، 7 ] ليتوصل به إلى قوله : { وما مسنا من لغوب } إبطالاً لمقالة اليهود ، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها عطفَ القصة على القصة وقعت معترضة بين الكلام السابق وبين ما فرع عنه من قوله : { فاصبر على ما يقولون } [ طه : 130 ] .

والواو في { وما مسنا من لغوب } واو الحال لأن لمعنى الحال هنا موقعاً عظيماً من تقييد ذلك الخلق العظيم في تلك المدة القصيرة بأنه لا ينصب خالقه لأن الغرض من معظم هذه السورة بيان إمكان البعث إذ أحالهُ المشركون بما يرجع إلى ضيق القدرة الإلهية عن إيقاعه ، فكانت هذه الآيات كلها مشتملة على إبراز معنى سعة القدرة الإلهية . ومعنى { وما مسنا من لغوب } : ما أصابنا تعب . وحقيقة المسِّ : اللَّمسُ ، أي وضع اليد على شيء وضعا غير شديد بخلاف الدفع واللطم . فعبر عن نفي أقل الإصابة بنفي المسّ لنفي أضعف أحوال الإصابة كما في قوله تعالى : { من قبل أن يتماسَّا } [ المجادلة : 3 ] فنفي قوة الإصابة وتمكنها أحرى .

واللغوب : الإعياء من الجري والعمل الشديد .