تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

يقول تعالى منبها على خلق العالم العلوي والسفلي : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا } أي : جعلناها سقفا [ محفوظا ] {[27457]} رفيعا { بأيد } أي : بقوة . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والثوري ، وغير واحد ، { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } ، أي : قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد ، حتى استقلت كما هي .


[27457]:- (1) زيادة من م.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

{ والسماء بنيناها بأيد } بقوة . { وإنا لموسعون } لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة والموسع القادر على الإنفاق . أو { لموسعون } السماء أو ما بينها وبين الأرض أو الرزق .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

وقوله : { والسماءَ } نصب بإضمار فعل تقديره : وبنينا السماء بنيناها . والأيد : القوة قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ، ووقعت في المصحف بياءين وذلك على تخفيف الهمز ، وفي هذا نظر .

وقوله : { لموسعون } يحتمل أن يريد : إنا نوسع الأشياء قوة وقدرة كما قال تعالى : { وعلى الموسع قدره }{[10618]} [ البقرة : 236 ] أي الذي يوسع أهله إنفاقاً ، ويحتمل أن يريد : { لموسعون } في بناء السماء ، أي جعلناها واسعة وهذا تأويل ابن زيد وقال الحسن : أوسع الرزق بمطر السماء .


[10618]:من الآية (236) من سورة (البقرة).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

لما كانت شبهة نفاة البعث قائمة على توهم استحالة إعادة الأجسام بعد فنائها أعقب تهديدهم بما يقوض توهمهم فوُجه إليه الخطاب يُذكرهم بأن الله خلق أعظم المخلوقات ولم تكن شيئاً فلا تعدّ إعادة الأشياء الفانية بالنسبة إليها إلاّ شيئاً يسيراً كما قال تعالى : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [ غافر : 57 ] .

وهذه الجملة والجمل المعطوفة عليها إلى قوله : { إني لكم منه نذير مبين } [ الذاريات : 51 ] معترضة بين جملة { وقوم نوح من قبل } [ الذاريات : 46 ] الخ وجملة { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول } [ الذاريات : 52 ] الآية .

وابتدىء بخلق السماء لأن السماء أعظم مخلوق يشاهده الناس ، وعطف عليه خلق الأرض عطفَ الشيء على مخالفه لاقتران المتخالفين في الجامع الخيالي . وعطف عليها خلق أجناس الحيوان لأنها قريبة للأنظار لا يكلف النظرُ فيها والتدبر في أحوالها ما يرهق الأذهان .

واستعير لخلق السماء فعل البناء لأنه منظر السماء فيما يبدو للأنظار شبيه بالقبة ونصب القبة يُدعى بناءً .

وهذا استدلال بأثر الخلق الذي عاينوا أثره ولم يشهدوا كيفيته ، لأن أثره ينبىء عن عظيم كيفيته ، وأنها أعظم مما يتصور في كيفية إعادة الأجسام البالية .

والأَيْد : القوة . وأصله جَمع يد ، ثم كثر إطلاقه حتى صار اسماً للقوة ، وتقدم عند قوله تعالى : { واذكر عبدنا داود ذا الأيد } في سورة ص ( 17 ) .

والمعنى : بنيناها بقدرة لا يقدر أحد مثلها .

وتقديم { السماء } على عامله للاهتمام به ، ثم بسلوك طريقة الاشتغال زاده تقوية ليتعلق المفعول بفعله مرتين : مرة بنفسه ، ومرة بضميره ، فإن الاشتغال في قوة تكرر الجملة . وزيد تأكيده بالتذييل بقوله : { وإنا لموسعون } . والواو اعتراضية .

والمُوسِع : اسم فاعل من أوسع ، إذا كان ذا وُسع ، أي قدرة . وتصاريفه جائية من السَّعة ، وهي امتداد مساحة المكان ضد الضيق ، واستعير معناها للوفرة في أشياء مثل الأفراد مثل عمومها في { ورحمتي وسعت كل شيء } [ الأعراف : 156 ] ، ووفرة المال مثل { لينفق ذو سعة من سعته } [ الطلاق : 7 ] ، وقوله : { على الموسع قدره } [ البقرة : 236 ] ، وجاء في أسمائه تعالى الواسع { إن اللَّه واسع عليم } . وهو عند إجرائه على الذات يفيد كمال صفاته الذاتية : الوجودِ ، والحياة ، والعلم ، والقدرة ، والحكمة ، قال تعالى : { إن اللَّه واسع عليم } [ البقرة : 115 ] ومنه قوله هنا : { وإنا لموسعون } .

وأكد الخبر بحرف ( إنّ ) لتنزيل المخاطبين منزلة من ينكر سعة قدرة الله تعالى ، إذ أحالوا إعادة المخلوقات بعد بِلاها .