تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَآ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ حَرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِينَ} (103)

يقول تعالى لعبده ورسوله محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، لما قص عليه نبأ إخوة يوسف ، وكيف رفعه الله عليهم ، وجعل له العاقبة والنصر والملك والحكم ، مع ما أرادوا به من السوء والهلاك والإعدام : هذا وأمثاله يا محمد من أخبار الغيوب السابقة ، { نُوحِيهِ إِلَيْكَ } ونعلمك به لما فيه من العبرة لك والاتعاظ لمن خالفك ، { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ } حاضرا عندهم ولا مشاهدا لهم { إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ } أي : على إلقائه في الجب ، { وَهُمْ يَمْكُرُونَ } به ، ولكنا أعلمناك به وحيا إليك ، وإنزالا عليك ، كما قال تعالى : { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ آل عمران : 44 ]وقال تعالى : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ } [ القصص : 44 ]إلى أن قال : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } [ القصص : 46 ] وقال { وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } [ القصص : 45 ] وقال { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإ الأعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِين } [ ص : 69 ، 70 ]

يقرر تعالى أنه رسوله ، وأنه قد أطلعه على أنباء ما قد سبق مما فيه عبرة للناس ونجاة لهم في دينهم ودنياهم ؛ ومع هذا ما آمن أكثر الناس ؛ ولهذا قال : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }

وقال { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [ الأنعام : 116 ] إلى غير ذلك من الآيات .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَآ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ حَرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِينَ} (103)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } .

يقول جلّ ثناؤه : وما أكثر مشركي قومك يا محمد ، ولو حرصت على أن يؤمنوا بك فيصدّقوك ، ويتبعوا ما جئتهم به من عند ربك بمصدّقيك ولا متبعيك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ حَرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِينَ} (103)

انتقال من سوق هذه القصة إلى العبرة بتصميم المشركين على التكذيب بعد هذه الدلائل البينة ، فالواو للعطف على جملة { ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك } [ يوسف : 102 ] باعتبار إفادتها أن هذا القرآن وحي من الله وأنه حقيق بأن يكون داعياً سامعيه إلى الإيمان بالنبي . ولما كان ذلك من شأنه أن يكون مطمعاً في إيمانهم عقب بإعلام النبي بأن أكثرهم لا يؤمنون .

و{ الناس } يجوز حمله على جميع جنس الناس ، ويجوز أن يراد به ناس معيّنون وهم القوم الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم بمكّة وما حولها ، فيكون عموماً عرفياً .

وجملة { ولو حرصت } في موضع الحال معترضة بين اسم { ما } وخبرها .

{ ولو } هذه وصلية ، وهي التي تفيد أن شرطها هو أقصى الأسباب لجوابها . وقد تقدم بيانها عند قوله تعالى : { فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به } في سورة آل عمران ( 91 ) .

وجواب لو } هو { وما أكثر الناس } مقدّم عليها أو دليل الجواب .

والحرص : شدة الطلب لتحصيل شيء ومعاودته . وتقدم في قوله تعالى : { حريص عليكم } في آخر سورة براءة ( 128 ) .

وجملة { وما تسألهم عليه من أجر } معطوفة على جملة { وما أكثر الناس } إلى آخرها باعتبار ما أفادته من التأييس من إيمان أكثرهم . أي لا يسوءك عدم إيمانهم فلست تبتغي أن يكون إيمانهم جزاء على التبليغ بل إيمانهم لفائدتهم ، كقوله : { قل لا تمنوا علي إسلامكم } [ سورة الحجرات : 17 ] .