تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ} (43)

وقوله : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } أي : خلق في عباده الضحك ، والبكاء وسببهما وهما مختلفان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ} (43)

وقوله : وأنّهُ هُوَ أضْحَكَ وأبْكَى يقول تعالى ذكره : وأن ربك هو أضحك أهل الجنة في الجنة بدخولهم إياها ، وأبكى أهل النار في النار بدخولهموها ، وأضحك من شاء من أهل الدنيا ، وأبكى من أراد أن يبكيه منهم .

   
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ} (43)

انتقال من الاعتبار بأحوال الآخرة إلى الاعتبار بأحوال الحياة الدنيا وضمير { هو } عائد إلى { ربك } من قوله : { وأن إلى ربك المنتهى } [ النجم : 42 ] .

والضحك : أثر سرور النفس ، والبكاء : أثر الحزن ، وكل من الضحك والبكاء من خواص الإِنسان وكلاهما خلق عجيب دال على انفعال عظيم في النفس .

وليس لبقية الحيوان ضحك ولا بكاء وما ورد من إطلاق ذلك على الحيوان فهو كالتخيل أو التشبيه كقول النابغة :

بكاء حماقة تدعو هَديلا *** مطوقة على فنن تغني

ولا يخلو الإِنسان من حالي حزن وسرور لأنه إذا لم يكن حزيناً مغموماً كان مسروراً لأن الله خلق السرور والانشراح ملازماً للإِنسان بسبب سلامة مزاجه وإدراكه لأنه إذا كان سالماً كان نشيط الأعصاب وذلك النشاط تنشأ عنه المسرة في الجملة وإن كانت متفاوتة في الضعف والقوة ، فذكر الضحك والبكاء يفيد الإحاطة بأحوال الإِنسان بإيجاز ويرمز إلى أسباب الفرح والحزن ويذكر بالصانع الحكيم ، ويبشر إلى أن الله هو المتصرف في الإنسان لأنه خلق أسباب فرحه ونكده وألهمه إلى اجتلاب ذلك بما في مقدوره وجعل حداً عظيماً من ذلك خارجاً عن مقدور الإِنسان وذلك لا يمتري فيه أحد إذا تأمل وفيه ما يرشد إلى الإِقبال على طاعة الله والتضرع إليه ليقدّر للناس أسباب الفرح ، ويدفع عنهم أسباب الحزن وإنما جرى ذكر هذا في هذا المقام لمناسبة أن الجزاء الأوفى لسعي الناس : بعضه سارٌّ لفريق وبعضه محزن لفريق آخر .

وأفاد ضمير الفصل قصراً لصفة خلق أسباب الضحك والبكاء على الله تعالى لإِبطال الشريك في التصرف فتبطل الشركة في الإِلهية ، وهو قصر إفراد لأن المقصود نفي تصرف غير الله تعالى وإن كان هذا القصر بالنظر إلى نفس الأمر قصراً حقيقياً لإِبطال اعتقاد أن الدهر متصرف .

وإسناد الإِضحاك والإِبكاء إلى الله تعالى لأنه خالق قوتي الضحك والبكاء في الإِنسان ، وذلك خلق عجيب ولأنه خالق طبائع الموجودات التي تجلب أسباب الضحك والبكاء من سرور وحزن .

ولم يذكر مفعول { أضحك وأبكى } لأن القصد إلى الفعلين لا إلى مفعوليهما فالفعلان منزلان منزلة اللازم ، أي أوجد الضحك والبكاء .

ولما كان هذا الغرض من إثبات انفراد الله تعالى بالتصرف في الإِنسان بما يجده الناس في أحوال أنفسهم من خروج أسباب الضحك والبكاء عن قدرتهم تعين أن المراد : أضحك وأبكى في الدنيا ، ولا علاقة لهذا بالمسرة والحزن الحاصلين في الآخرة .

وفي الاعتبار بخلق الشيء وضده إشارة إلى دقائق حكمة الله تعالى .

وفي هذه الآية محسن الطباق بين الضحك والبكاء وهما ضدان .

وتقديم الضحك على البكاء لأن فيه امتناناً بزيادة التنبيه على القدرة وحصل بذلك مراعاة الفاصلة .

وموقع هذه الجملة في عطفها مثل موقع جملة { وأن سعيه سوف يرى } [ النجم : 40 ] في الاحتمالين ، فإن كانت مما شملته صحف إبراهيم كانت حكاية لقوله : { وإذا مرضت فهو يشفين } [ الشعراء : 80 ] .