الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ} (43)

{ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ } من شاء من خلقه { وَأَبْكَى } من شاء منهم .

أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا عمر بن الخطاب ، قال : حدّثنا عبدالله بن الفضل ، قال : حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، قال : حدّثتنا دلال بنت أبي المدل ، قالت : حدّثتنا الصهباء ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يضحكون فقال : لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلا " فنزل عليه جبريل فقال : إن الله تعالى يقول : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } فرجع إليهم فقال «ما خطوت اربعين خطوة حتى أتى جبريل وقال : أئتِ هؤلاء فقل لهم : إن الله عز وجل يقول : هو أضحك وأبكى " .

وقال عطاء بن أبي أسلم : يعني : أفرح وأحزن ، لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء .

سمعت ابا منصور الحمساذي يقول : سمعت أبا بكر بن عبدالله الرازي يقول : سمعت يوسف بن جبير يقول : سئل طاهر المقدسي : اتضحك الملائكة ؟ فقال : ما ضحك من دون العرش منذ خلقت جهنم ، وقيل لعمر : هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟ قال : نعم والله ، والإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي ، وقال مجاهد : أضحك اهل الجنة في الجنة ، وأبكى أهل النار في النار ، وقال الضحاك : أضحَك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر ، وقيل : أضحك الاسحار بالانوار وأبكى السماء بالأمطار .

ذون النون : أضحك قلوب المؤمنين والعارفين بشمس معرفته ، وأبكى قلوب الكافرين العاصين بظلمة نكرته ومعصيته . سهل : أضحك المطيع بالرحمة وأبكى العاصي بالسخط . محمد بن علي الترمذي : أضحك المؤمن في الآخرة ، وأبكاه في الدنيا . قسام بن عبدالله : أضحك اسنانهم وأبكى قلوبهم وأنشد في معناه :

اللسن تضحك والأحشاء تحترق *** وإنما ضحكها زور ومختلق

يا رُبّ باك بعين لا دموع لها *** ورُبّ ضاحك سنَ مابه رمق