هذا{[18884]} ثناء من الله تعالى على إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليهما السلام ، وهو والد عرب الحجاز كلهم بأنه { كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ }
قال{[18885]} ابن جريج : لم يَعدْ ربه عدة إلا أنجزها ، يعني : ما التزم قط عبادة{[18886]} بنذر إلا قام بها ، ووفاها حقها .
وقال ابن جرير : حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن سهل بن عقيل حدثه ، أن إسماعيل النبي ، عليه السلام ، وعد رجلا مكانًا أن يأتيه ، فجاء ونسي الرجل ، فظل به إسماعيل وبات حتى جاء الرجل من الغد ، فقال : ما برحت من هاهنا ؟ قال : لا . قال : إني نسيت . قال : لم أكن لأبرح حتى تأتيني . فلذلك { كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ } .
وقال سفيان الثوري : بلغني أنه أقام في ذلك المكان ينتظره حولا حتى جاءه .
وقال ابن{[18887]} شَوْذَب : بلغني أنه اتخذ ذلك الموضع سكنًا .
وقد روى أبو داود في سننه ، وأبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي في كتابه " مكارم الأخلاق " من طريق إبراهيم بن طَهْمَان ، عن عبد الله{[18888]} بن مَيْسَرة ، عن عبد الكريم - يعني : ابن عبد الله بن شَقيق - عن أبيه ، عن عبد الله بن أبي الحمساء قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فبقيت له عليّ بقية ، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك ، قال : فنسيت{[18889]} يومي والغد ، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه ذلك ، فقال لي : " يا فتى ، لقد شققت{[18890]} علي ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك " لفظ الخرائطي{[18891]} ، وساق آثارًا حسنة في ذلك .
ورواه ابن مَنْده أبو عبد الله في كتاب " معرفة الصحابة " ، بإسناده{[18892]} عن إبراهيم بن طَهْمَان ، عن بُدَيْل بن ميسرة ، عن عبد الكريم ، به{[18893]} .
وقال بعضهم : إنما قيل له : { صَادِقَ الْوَعْدِ } ؛ لأنه قال لأبيه : { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } [ الصافات : 102 ] ، فصدق في ذلك .
فصدق الوعد من الصفات الحميدة ، كما أن خُلْفَه من الصفات الذميمة ، قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ } [ الصف : 2 ، 3 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان " {[18894]}
ولما كانت هذه صفات المنافقين ، كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين ، ولهذا أثنى الله على عبده ورسوله إسماعيل بصدق الوعد ، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق الوعد أيضًا ، لا يعد أحدًا شيئًا إلا وفّى له به ، وقد أثنى على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب ، فقال : " حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي " {[18895]} . ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال الخليفة أبو بكر الصديق : من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَةٌ أو دَيْن فليأتني أنجز له ، فجاءه{[18896]} جابر بن عبد الله ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قال : " لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا " ، يعني : ملء كفيه ، فلما جاء مال البحرين أمر الصديق جابرًا ، فغرف بيديه من المال ، ثم أمره بِعَدّه ، فإذا هو خمسمائة درهم ، فأعطاه مثليها معها{[18897]}
وقوله : { وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا } في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق ؛ لأنه إنما وصف{[18898]} بالنبوة فقط ، وإسماعيل وصف{[18899]} بالنبوة والرسالة . وقد ثبت في صحيح مسلم{[18900]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل . . . " وذكر تمام الحديث ، فدل على صحة ما قلناه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد في الكتاب إسماعيل بن إبراهيم ، فاقصص خبره إنه كان لا يكذب وعده ، ولا يخلف ، ولكنه كان إذا وعد ربه ، أو عبدا من عباده وعدا وفى به ، كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : إنّهُ كانَ صَادِقَ الوَعْدِ قال : لم يَعِدْ ربه عِدة إلا أنجزها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن سهل بن عقيل ، حدّثه أن إسماعيل عليه السلام وعد رجلاً مكانا أن يأتيه ، فجاء ونسي الرجل ، فظلّ به إسماعيل ، وبات حتى جاء الرجل من الغد ، فقال : ما برحت من هاهنا ؟ قال : لا ، قال : إني نسيت ، قال : لم أكن لأبرح حتى تأتي ، فبذلك كان صادقا .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد في الكتاب إسماعيل بن إبراهيم، فاقصص خبره إنه كان لا يكذب وعده، ولا يخلف، ولكنه كان إذا وعد ربه، أو عبدا من عباده وعدا وفى به...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{واذكر في الكتاب إسماعيل} على قول الحسن هو صلة قوله {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} [مريم: 2] أي اذكر لهم رحمة ربك إسماعيل. وعلى قول غيره من أهل التأويل على الابتداء، أي اذكر لهم نبأ إسماعيل. وقصته في الكتاب على الاحتجاج له عليهم لأن هذه الأنباء والقصص كانت في كتبهم، فأخبروا رسوله عن تلك الأنباء والقصص على ما كانت ليخبرهم، فيعلموا أنه إنما عرفها بالله ليدلهم ذلك على نبوته ورسالته...
{إنه كان صادق الوعد} أي صديقا؛ والصديق هو القائم بوفاء كل حق، ظهر له، لأن كل مؤمن، يعتقد في أصل إيمانه طاعة ربه في كل أمر، يأمر به، والانتهاء عن كل نهي ينهاه، ووفاء كل حق عليه. فسماه {صادق الوعد} لقيامه بوفاء كل حق ظهر له وتجلى، والله أعلم.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
كان صادق الوعد إذ وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه، وصبر على ذلك إلى أن ظهر الفِداء. وصدق الوعد لأنه حفظ العهد.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ذكر إسماعيل عليه السلام بصدق الوعد وإن كان ذلك موجوداً في غيره من الأنبياء، تشريفاً له وإكراماً، كالتلقيب بنحو: الحليم، والأوّاه، والصدّيق؛ ولأنه المشهور المتواصف من خصاله...
اعلم أن إسماعيل هذا هو إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، واعلم أن الله تعالى وصف إسماعيل عليه السلام بأشياء: أولها: قوله: {إنه كان صادق الوعد} وهذا الوعد يمكن أن يكون المراد فيما بينه وبين الله تعالى ويمكن أن يكون المراد فيما بينه وبين الناس؛
أما الأول: فهو أن يكون المراد أنه كان لا يخالف شيئا مما يؤمر به من طاعة ربه، وذلك لأن الله تعالى إذا أرسل الملك إلى الأنبياء وأمرهم بتأدية الشرع فلا بد من ظهور وعد منهم يقتضي القيام بذلك، ويدل على القيام بسائر ما يخصه من العبادة.
وأما الثاني: فهو أنه عليه السلام كان إذا وعد الناس بشيء أنجز وعده فالله تعالى وصفه بهذا الخلق الشريف، وأيضا وعد من نفسه الصبر على الذبح فوفى به حيث قال: {ستجدني إن شاء الله من الصابرين}...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
ولما كانت هذه صفات المنافقين، كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين، ولهذا أثنى الله على عبده ورسوله إسماعيل بصدق الوعد، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق الوعد أيضًا، لا يعد أحدًا شيئًا إلا وفّى له به،.
وقوله: {وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا} في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق؛ لأنه إنما وصف بالنبوة فقط، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة. وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل..." وذكر تمام الحديث، فدل على صحة ما قلناه..
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان إسماعيل عليه الصلاة والسلام هو الذي ساعد أباه إبراهيم عليه السلام في بناء البيت الذي كان من الأفعال التي أبقى الله بها ذكره، وشهر أمره وكان موافقاً لموسى عليه السلام في ظهور آية الماء الذي به حياة كل شيء وإن كانت آية موسى عليه السلام انقضت بانقضائه، وآيته هو باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهي التي كانت سبب حياته وماؤها ببركته أفضل مياه الأرض، وجعل سبحانه آية الماء التي أظهرها له سبب حفظه من الجن والإنس والوحش وسائر المفسدين، إشارة إلى أنه سبحانه يحيي بولده محمد صلى الله عليه وسلم الذي غذاه بذلك الماء ورباه عند ذلك البيت إلى أن اصطفاه برسالته، فحسدته اليهود وأمرت بالتعنت عليه -ما لم يحي بغيره، ويجعله قطب الوجود كما خصه- من بين آل إبراهيم عليه السلام -بالبيت الذي هو كذلك قطب الوجود، ويشفي به من داء الجهل، ويغني به من مرير الفقر، كما جعل ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم، وكان صلى الله عليه وسلم آخر من شيد قدرهم، وأعظم من أعلى ذكرهم، عقب ذكره بذلك فقال: {واذكر في الكتاب} أباك الأقرب {إسماعيل} ابن إبراهيم عليهما السلام الذي هم معترفون بنبوته، ومفتخرون برسالته وأبوته، فلزم بذلك فساد تعليلهم إنكار نبوتك بأنك من البشر، ثم علل ذكره والتنويه بقدره بقوله معلماً بصعوبة الوفاء بالتأكيد: {إنه كان} جبلة وطبعاً {صادق الوعد} في حق الله وغيره لمعونة الله له على ذلك، بسبب أنه لا يعد وعداً إلا مقروناً بالاستثناء كما قال لأبيه حين أخبرهم بأمر ذبحه {ستجدني إن شاء الله من الصابرين} فكن أبي كذلك ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله، وخصه بالمدح به- وإن كان الأنبياء كلهم كذلك -لقصة الذبح فلا يلزم منه تفضيله {وكان رسولاً نبياً} نبأه الله بأخباره، وأرسله إلى قومه جرهم قاله الأصبهاني. وأتى أهل البراري بدين أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام فأحياها الله بنور الإيمان الناشئ عن روح العلم ووصفه بالرسالة زيادة على وصف أخيه إسحاق عليهما السلام وتقدم في أمر موسى عليه السلام سر الجمع بين الوصفين؛ وفي صحيح مسلم وجامع الترمذي- عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه "أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل عليه السلام "وفي رواية الترمذي "أن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل"...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: واذكر في القرآن الكريم، هذا النبي العظيم، الذي خرج منه الشعب العربي، أفضل الشعوب وأجلها، الذي منهم سيد ولد آدم. {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} أي: لا يعد وعدا إلا وفى به. وهذا شامل للوعد الذي يعقده مع الله أو مع العباد، ولهذا لما وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه [له] وقال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} وفى بذلك ومكن أباه من الذبح، الذي هو أكبر مصيبة تصيب الإنسان، ثم وصفه بالرسالة والنبوة، التي [هي] أكبر منن الله على عبده، وأهلها من الطبقة العليا من الخلق.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وينوه من صفات إسماعيل بأنه كان صادق الوعد. وصدق الوعد صفة كل نبي وكل صالح، فلا بد أن هذه الصفة كانت بارزة في إسماعيل بدرجة تستدعي إبرازها والتنويه بها بشكل خاص. وهو رسول فلا بد أن كانت له دعوة في العرب الأوائل وهو جدهم الكبير. وقد كان في العرب موحدون أفراد قبيل الرسالة المحمدية، فالأرجح أنهم بقية الموحدين من أتباع إسماعيل...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
خصّ إسماعيل بالذكر هنا تنبيهاً على جدارته بالاستقلال بالذكر عقب ذكر إبراهيم وابنه إسحاق، لأن إسماعيل صار جدّ أمة مستقلة قبل أن يصير يعقوب جدّ أمة، ولأن إسماعيل هو الابن البكر لإبراهيم وشريكُه في بناء الكعبة. وتقدم ذكر إسماعيل عند قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} في سورة البقرة (127). وخصه بوصف صدق الوعد لأنه اشتهر به وتركه خُلقاً في ذريته...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وقد أفرد القرآن إسماعيل بالذكر، لأنه كان يقيم بالبلاد العربية، وأقام هو وأمه حول الكعبة، لسدانتها وحراستها، وإفراده بالذكر تشريف له وإكرام، فإذا كان أخوه إسحاق عليه السلام أبا أنبياء بني إسرائيل الذين قاموا بتنفيذ التوراة وتفسيرها، فإن من ذرية إسماعيل عليه السلام خاتم النبيين الذي جاء بالكتاب المهيمن على كل الكتب المنزلة، والذي فيه كل الأنبياء ومعجزاتهم. والكتاب كما ذكر هو القرآن وهو أكمل الكتب كما نوهنا، ولأن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فالكتاب الذي نزل عليه وهو القرآن، وقد ذكرنا وجوه كماله، وأنه سجل الأنبياء وشرائعهم الباقية ومعجزاتهم، ولا ترى لها مصدرا متواترا صادقا سواه، كما ذكرنا. وقد وصفه الله تعالى بأربعة أوصاف تدل على الكمال الإنساني الذي لا يعلو عليه كمال. الوصف الأول: أنه كان {صادق الوعد}، أي إذا وعد لا يخيس، ولا يكذب بل ينفذه، وكل الأنبياء كذلك ولكن وصف الله به إسماعيل، لأنه كان أخص أوصافه واشتهر به... الوصف الثاني: أنه كان {رسولا نبيا}، كما قال تعالى: {وكان رسولا نبيا} فقد جاء بشرائع ومنحه الله تعالى النبوة فقد كان ينزل عليه الوحي، ويكلمه الله تعالى بإحدى طرق الكلام، كما قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا... 51} (الشورى)، وقد يقال: إن شريعته كانت شريعة أبيه إبراهيم، ونقول إنه أرسل بها، ولا مانع من أن يخاطب بالشريعة الواحدة رسولان، وقد ذكر الله تعالى أن إبراهيم كان رسولا وإسماعيل كان رسولا نبيا. الوصف الثالث: وهو عملي لأنه {وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة} إن إسماعيل عليه السلام كان حقا عليه أن يأمر قومه من العرب بالصلاة والزكاة، ولكن كان عليه أن يبدأ بأهله وذوى قرابته والمتصلين به، ثم ينتقل إلى غيرهم مبتدئا بالأقرب فالأقرب، كما ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم لعشيرته الأقربين بأمر الله تعالى في قوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين 214 واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين 215} (الشعراء). ومن العلماء من قال: إن أهله الذين اتبعوه أجمعون، وذلك القول له، وجهه، وقد أمر نبي الله إسماعيل عليه السلام بأمرين: بالصلاة، وهذا رمز للتهذيب الجماعة التي يدعوها والتربية الروحية التي يكون بالصلاة، وما يشبهها في روحانيتها، تكون الركن الأول في المقاصد الدينية، ثم يجئ الأمر الثاني وهو الأمر بالزكاة، فإنها تكون الركن الاجتماعي الذي يكون به التعاون بين الجماعة في تحقق الركن الإنساني في الصلات بين الناس، وهذا يمثل الركن الثاني من المقاصد الدينية، ولا بد للثاني من الأول فهو لا يتحقق على وجهه الأكمل إلا بالأول، فالأول هو الرباط الروحي، والثاني رباط مادي لا يؤدي مؤداه إلا بتربية الروح. الوصف الرابع: وهو أعلى الأوصاف التي وصف بها إسماعيل عليه السلام هو رضا الله تعالى، فقد قال عز من قائل: {وكان عند ربه مرضيا} (مرضي) اسم مفعول من رضي، وقد زكي الله إسماعيل بأنه مرضى {عند ربه} فهو رضي في ذاته ومرضى عند ربه الذي خلقه وكونه وقام على وجوده، وهذا أعلى ما يصل إليه المؤمن، ولذا قال تعالى بعد ذكر نعيم الجنة المقيم {...ورضوان من الله أكبر... 72} (التوبة) فرضوان الله أكبر من كل جزاء، ولذا قال: {وكان عند ربه مرضيا} و (كان) في كل الأوصاف الله تعالى للدوام والاستمرار، اللهم أدم علينا نعمتك وامنحنا رضاك...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً} فكان من المفروض أن يدعو الناس بعمله قبل أن يدعوهم بلسانه، لأن ذلك أعمق أساليب الدعوة...