الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (54)

وقوله تعالى : { واذكر فِي الكتاب إسماعيل } [ مريم : 54 ] .

هو أيضاً من لسانِ الصِّدْقِ المضمون بقاؤه على إبراهيمَ عليه السلام وإسماعيلُ عليه السلام : هو أَبو العربِ اليومَ وذلك أَنَّ اليَمَنِية والمُضَرِية ترجع إلى ولد إسماعيل ، وهو الذِّبِيحُ في قول الجمهُور . وهو الرَّاجِحُ من وجوهٍ : منها قولُه تعالى : { وَمِنْ وَرَاء إسحاق يَعْقُوبَ } [ هود : 71 ] .

فَوَلَدٌ بُشِّر أَبواه بأن سَيَكُونُ منه ولدٌ كيف يُؤْمَرُ بذبحه ؟ ! .

ومنها أَن أَمْرَ الذبح كان بِمِنًى بلا خِلاَفٍ ، وما روي قَطُّ أَن إسحاقَ دخل تلك البلاد ، وإسماعيلُ بها نَشَأ ، وكان أَبوه يزُورُه مِرَاراً كَثِيرةً يأْتي من الشام ، ويرجِعُ من يَوْمِهِ على البُرَاق وهو مركَبُ الأَنْبياء ومنها قولُه صلى الله عليه وسلم : ( أَنَا ابن الذَّبِيحَيْنِ ) وهو أَبُوهُ عبدُ اللّهِ ، والذَّبِيحُ الثَّانِي هو إسْماعِيلُ . ومنها [ تَرْتِيبُ ] آيات سورة «والصَّافَّاتِ » يكاد ينصُّ على أَنَّ الذبيح غيرُ إسحاق ، ووصفه اللّهُ تعالى بصِدْق الوَعْد لأَنه كان مُبَالِغاً في ذلك وروي أَنَّه وعد رَجُلاً أَنْ يلقاه في مَوْضِعٍ ، فبقي في انْتِظاره يَوْمَهُ ولَيلَتَهُ ، فلما كان في اليوْمِ الآخر جاء الرجُلُ ، فقال له إسماعيلُ : ما زِلْتُ هنا في انتظارك منذ أَمْسِ ، وقد فعل مِثْلَهُ نبيُّنَا محمدٌ صلى الله عليه وسلم قبل مَبْعَثِه ، خرَّجه التّرمِذِيّ وغيرُه ، قال سُفْيان بن عُيَيْنَةَ : أَسْوَأُ الكَذِبِ إخْلاَفُ المِيعَادِ ، ورَمْي الأَبْرِيَاءِ بالتُّهِمِ .