صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا} (5)

{ فالمدبرات أمرا } صفة للسابحات . و " أمرا " مفعول به . ونسبة التدبير إلى الملائكة مجاز ؛ فإن كل المحدثات بقضاء الله وتقديره وتدبيره . وللمفسرين أقوال أخرى في تفسير هذه الأقسام .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا} (5)

{ فالمدبرات أمراً } قال ابن عباس : هم الملائكة وكلوا بأمور عرفهم الله عز وجل العمل بها . قال عبد الرحمن بن سابط : يدبر الأمور في الدنيا أربعة : جبريل ، وميكائيل ، وملك الموت ، وإسرافيل ، عليهم السلام ، أما جبريل : فموكل بالوحي والبطش وهزم الجيوش ، وأما ميكائيل : فموكل بالمطر والنبات والأرزاق ، وأما ملك الموت : فموكل بقبض الأنفس ، وأما إسرافيل : فهو صاحب الصور لا ينزل إلا للأمر العظيم . وجواب هذه الأقسام محذوف ، على تقدير : لتبعثن ولتحاسبن . وقيل : جوابه قوله : { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى }( النازعات-25 ) . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } والنازعات غرقاً .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا} (5)

{ فالمدبرات أمرا } يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهم السلام يدبر أمر الدنيا هؤلاء الأربعة من الملائكة وجواب هذه الأقسام مضمر على تقدير لتبعثن

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا} (5)

قوله تعالى : " فالمدبرات أمرا " قال القشيري : أجمعوا على أن المراد الملائكة . وقال الماوردي : فيه قولان : أحدهما الملائكة ، قاله الجمهور . والقول الثاني هي الكواكب السبعة . حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل . وفي تدبيرها الأمر وجهان : أحدهما تدبير طلوعها وأفولها . الثاني تدبيرها ما قضاه الله تعالى فيها من تقلب الأحوال . وحكى هذا القول أيضا القشيري في تفسيره ، وأن الله تعالى علق كثيرا من تدبير أم العالم بحركات النجوم ، فأضيف التدبير إليها وإن كان من الله ، كما يسمى الشيء باسم ما يجاوره . وعلى أن المراد بالمدبرات الملائكة ، فتدبيرها نزولها بالحلال والحرام وتفصيله ، قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما . وهو إلى الله جل ثناؤه ، ولكن لما نزلت الملائكة به سميت بذلك ، كما قال عز وجل : " نزل به الروح الأمين " [ الشعراء : 193 ] . وكما قال تعالى : " فإنه نزله على قلبك " [ البقرة : 97 ] . يعني جبريل نزله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، والله عز وجل هو الذي أنزل .

وروى عطاء عن ابن عباس : " فالمدبرات أمرا " : الملائكة وكلت بتدبير أحوال الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك . قال عبد الرحمن بن ساباط : تدبير أم الدنيا إلى أربعة : جبريل وميكائيل وملك الموت واسمه عزرائيل ، وإسرافيل ، فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود ، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات ، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس في البر والبحر ، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم ، وليس من الملائكة أقرب من إسرافيل ، وبينه وبين العرش مسيرة خمسمائة عام . وقيل : أي وكلوا بأمور عرفهم الله بها . ومن أول السورة إلى هنا قسم أقسم الله به ، ولله أن يقسم بما شاء من خلقه ، وليس لنا ذلك إلا به عز وجل . وجواب القسم مضمر ، كأنه قال : والنازعات وكذا وكذا لتبعثن ولتحاسبن . أضمر لمعرفة السامعين بالمعنى . قاله الفراء . ويدل عليه قوله تعالى : " أئذا كنا عظاما نخرة " ألست ترى أنه كالجواب لقولهم : " أئذا كنا عظاما نخرة " نبعث ؟ فاكتفى بقول : " أئذا كنا عظاما نخرة " ؟ وقال قوم : وقع القسم على قوله : " إن في ذلك لعبرة لمن يخشى " [ النازعات : 26 ] وهذا اختيار الترمذي بن علي . أي فيما قصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى وفرعون " لعبرة لمن يخشى " ولكن وقع القسم على ما في السورة مذكورا ظاهرا بارزا أحرى وأقمن من أن يؤتي بشيء ليس بمذكور فيما قال ابن الأنباري : وهذا قبيح ؛ لأن الكلام قد طال فيما بينهما . وقيل : جواب القسم " هل أتاك حديث موسى " لأن المعنى قد أتاك .

5

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا} (5)

ولما بان بذلك حسن امثتالها للأوامر ، بان به عظيم نظرها في العواقب فدل على ذلك بالفاء في قوله : { فالمدبرات } أي الناظرات في أدبار{[71311]} الأمور وعواقبها{[71312]} لإتقان ما أمروا به في الأرواح وغيرها { أمراً * } أي عظيماً ، ويصح أن يكون ذلك للشمس و{[71313]} القمر والكواكب والرياح والخيل السابحة في الأرض والجو لمنفعة العباد وتدبير أمورهم ، وبعضها سابق لبعض ، وبه قال بعض المفسرين ، والجواب محذوف إشارة إلى أنه من ظهور العلم به - بدلالة ما قبله وما بعده عليه - في حد لا مزيد عليه ، فهو بحيث لا يحتاج إلى ذكره فحذفه كإثباته بالبرهان فتقديره : لتذهبن بالدنيا التي أنتم بها مغترون لنزعنا لها من محالها وتقطيع أوصالها ، فإن كل ما تقدم من أعمال ملائكتنا هو من مقدمات ذلك تكذيباً لقول الكفار

{ ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر }[ الجاثية : 24 ] المشار إليه بتساؤلهم عنها لأنه{[71314]} على وجه الاستهزاء و{[71315]}التكذيب ولتقومن الساعة ؟ أو أنكم لمبعوثون بعد الموت وانتهاء هذه الدار ؟ ثم لمجازون بما عملتم بأسباب موجودة مهيأة بين أظهركم دبرناها وأوجدناها حين أوجبنا هذه الحياة الدنيا وإن كنتم لا ترونها كما أن هذه الأمور التي أخبرناكم بها في نزع الأرواح والنبات والمنافع موجودة بين أظهركم والميت أقرب ما يكون منكم وهي تعمل أعمالها . والمحتضر أشد ما يكون صوتاً وأعظمه حركة إذا هو قد خفت وهمد بعد ذلك الأمر وسكت وامتدت أعضاؤه ومات ، وذهب عنكم قهراً وفات الذي{[71316]} فات كأنه قط ما كان ، ولا تغلب في زمن من الأزمان ، بتلك الأسباب التي تعمل أعمالها وتمد{[71317]} حبالها وترسي{[71318]} أثقالها ، وتلقي أهوالها وأوجالها ، وأنتم لا ترونها ، فيالله العجب أن لا يردكم ذلك على كثرته عن أن تستبعدوا على قدرته تمييز تراب جسد من تراب جسد آخر .

وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما أوضحت سورة النبأ حال الكافر في قوله

{ يا-{[71319]} ليتني كنت تراباً }[ النبأ : 40 ] عند نظره ما قدمت يداه ، ومعاينته من العذاب عظيم ما يراه ، وبعد ذكر تفصيل أحوال وأهوال ، أتبع ذلك ما قد كان حاله عليه في دنياه من استبعاد عودته في أخراه ، وذكر قرب ذلك عليه سبحانه كما قال في الموضع الآخر

{ وهو أهون عليه }[ الروم : 27 ] وذلك بالنظر إلينا ولما عهدناه ، وإلا فليس عنده سبحانه شيء أهون من شيء

{ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }[ يس : 82 ] فقال تعالى : { والنازعات غرقاً } [ النازعات : 1 ] إلى قوله : { يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاماً نخرة } [ النازعات : 10 – 11 ] إذ يستبعدون ذلك ويستدفعونه

{ فإنما{[71320]} هي زجرة واحدة }[ النازعات : 13 ] أي صحية

{ فإذا هم بالساهرة }[ النازعات : 14 ] أي الأرض قياماً ينظرون ما قدمت أيديهم ويتمنون أن لو كانوا تراباً ولا ينفعهم ذلك ، ثم ذكر تعالى من قصة فرعون وطغيانه ما يناسب الحال{[71321]} في قصد الاتعاظ والاعتبار ، ولهذا أتبع القصة بقوله سبحانه

( إن في ذلك لعبرة لمن يخشي }[ النازعات : 26 ] انتهى .


[71311]:من ظ و م، وفي الأصل: عواقب.
[71312]:من ظ و م، وفي الأصل: أدبارها.
[71313]:من ظ و م، وفي الأصل: أو.
[71314]:من م، وفي الأصل و ظ: إلا.
[71315]:من م، وفي الأصل و ظ: أو.
[71316]:زيد في الأصل: قد، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[71317]:من ظ و م، وفي الأصل: يمتد.
[71318]:من ظ و م، وفي الأصل: ترى.
[71319]:زيد من ظ و م.
[71320]:من م، وفي الأصل و ظ: إنما.
[71321]:من ظ و م، وفي الأصل: لحال.