تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا} (5)

الآية 5 : وقوله تعالى : { فالمدبرات أمرا } هم الملائكة الموكلون بأمور الخلائق وأرزاقهم . ومنهم من صرف تأويل الآيات إلى النجوم [ اللاتي يطلعن ]{[23055]} من مطالعهن لحوائج الخلق ولأمور جعلت لها ، ويغربن في مغاربهن ، ثم ينشطن إلى مطالعهن ، فيطلعن [ منها ، أي لا يطلعن ]{[23056]} كرها بل ناشطات لأمر الله تعالى إلى ما سخرت له .

[ وقوله تعالى : ]{[23057]} { والسابحات سبحا } [ الآية : 3 ] وتسبيحهن دورانهن في الأفق لأمور تخفى{[23058]} على الخلق لقوله : { كل في فلك يسبحون } [ الأنبياء : 33 ويس : 40 ] .

وقوله تعالى : { فالسابقات سبقا } [ الآية : 4 ] أي يسبق بعضها بعضا ، أو يسبقن الشياطين بالرجم والطرد ، لا تدعهم{[23059]} يقربون السماء ، وبه قال الحسن ، والله أعلم .

ومنهم من صرف تأويل الآيات إلى مختلف الأشياء ، فقال : { والنازعات غرقا } هي القسيّ تنزعها { والناشطات نشطا } هي الأوهاق تنشط بها الدابة ، يكون منه في جهة { والسابحات سبحا } هن السفن { فالسابقات سبقا } هن الخيل { فالمدبرات أمرا } هي الملائكة . وبه قال عطاء .

ومنهم من صرفها إلى أنفس المؤمنين وأرواحهم فقال : { والنازعات غرقا } هي الأنفس التي تغرق في الصدر { والناشطات نشطا } حين تنشط من القدمين . وقيل : إن أنفس المؤمنين ينشطن إلى الخروج عن الأبدان ، إذا عاينوا ما أعد لهم من [ الثواب ]{[23060]} في الجنة { والسابحات سبحا } هي أرواح المؤمنين ، سميت سابحات لسهولة الأمر عليها كما يسهل الخروج من الماء لمن يعلم السباحة .

وقوله تعالى : { فالسابقات سبقا } أيضا أرواح المؤمنين أيضا سميت سابقات لما تكاد تسبق ، فتخرج قبل وقتها لما تعاين من كرامات الله تعالى وما ينشر من الخير . يؤيد هذا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ) ) [ مسلم 2956 ] .

وقيل ذلك عند موته : المؤمن إذا حضره الموت صار في ذلك الوقت كالمسجون الذي يتمنى الراحة والخلاص منه ، لأنه [ يرى ]{[23061]} ما أعد له من الثواب ، فتتهرع نفسه ؛ يود لو خرجت حتى يصل إلى ما أعد لها من الكرامة .

والكافر إذا رأى [ ما أعد له ]{[23062]} عندما [ يحضره الموت ]{[23063]} جعل يليغ نفسه كراهة أن تخرج ، فتصير الدنيا في ذلك الوقت كالجنة له ، فلا{[23064]} يحب مفارقتها من شدة ما يرى من عذاب الله تعالى .

وعلى هذا قيل في تأويل قوله عليه السلام : ( ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ) ) [ البخاري 6507 و 6508 ومسلم 2683 ] .

إن ذلك عند الموت . إن المؤمن إذا حضره الموت ، وأري ثوابه من الجنة ، ود أن تخرج نفسه ، فيحب لقاء الله ، ويحب الله لقاءه ، والكافر يكره في ذلك الوقت أن تخرج نفسه ، فذلك حين كره لقاء الله ، كره الله لقاءه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فالمدبرات أمرا } قالوا جميعا : المراد منها الملائكة الموكلون بأمور الخلق وأرزاقهم ونحو ذلك ، والله أعلم .

ثم اختلف في الذي قصد إليه باليمين والقسم ؛ فمنهم من ذكر أن الذي وقع عليه القسم قوله عز وجل : { أئنا لمردودون في الحافرة } [ الآية : 10 ] على معنى : مبعوثين ، وأن القسم حق ؛ فكأنه أقسم بهذه الأشياء إنهم لمبعوثون ، وأضمر الجواب ههنا لما دل عليه المعنى ، فاكتفى به .


[23055]:في م:أنهن النجوم اللاتي يطلعن، في الأصل: اللاتي.
[23056]:من م ساقطة من الأصل
[23057]:ساقطة من الأصل وم.
[23058]:في الأصل وم: خفى ذلك.
[23059]:في الأصل وم: يدعهن.
[23060]:ساقطة من الأصل وم.
[23061]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[23062]:ساقطة من الأصل وم.
[23063]:في الأصل وم: حضر.
[23064]:في الأصل وم: في مالا.