البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا} (5)

{ فالمدبرات } ، قال ابن عطية لا أحفظ خلافاً أنها الملائكة ، ومعناه أنها التي تدبر الأمور التي سخرها الله تعالى وصرفها فيها ، كالرياح والسحاب وسائر المخلوقات . انتهى .

وقيل : الملائكة الموكلون بالأحوال : جبريل للوحي ، وميكائيل للمطر ، وإسرافيل للنفخ في الصور ، وعزرائيل لقبض الأرواح .

وقيل : تدبيرها : نزولها بالحلال والحرام .

وقال معاذ : هي الكواكب السبعة ، وإضافة التدبير إليها مجاز ، أي يظهر تقلب الأحوال عند قرانها وتربيعها وتسديسها وغير ذلك .

ولفق الزمخشري من هذه الأقوال أقوالاً اختارها وأدارها أولاً على ثلاثة : الملائكة أو الخيل أو النجوم .

ورتب جميع الأوصاف على كل واحد من الثلاثة ، فقال : أقسم سحابة بطوائف الملائكة التي هي تنزع الأرواح من الأجساد ، وبالطوائف التي تنشطها ، أي تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها ، وبالطوائف التي تسبح في مضيها ، أي تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمراً من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم ؛ كما رسم لهم غرقاً ، أي إغراقاً في النزع ، أي تنزعها من أقاصي الأجساد من أناملها وأظافرها .

أو أقسم بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها إلى آخر ما نقلناه ؛ ثم قال : من قولك : ثور ناشط ، إذا خرج من بلد إلى بلد ، والتي تسبح في جريتها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر ، وإسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه .

أو أقسم بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب ، وإغراقها في النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط من أقصى المغرب ، والتي تخرج من برج إلى برج ، والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمراً في علم الحساب .

وقيل : النازعات : أيدي الغزاة أو أنفسهم تنزع القسي بإغراق السهام والتي تنشط الإرهاق . انتهى .

والذي يظهر أن ما عطف بالفاء هو من وصف المقسم به قبل الفاء ، وأن المعطوف بالواو وهو مغاير لما قبله ، كما قرّرناه في المرسلات ، على أنه يحتمل أن يكون المعطوف بالواو ومن عطف الصفات بعضها على بعض .

والمختار في جواب القسم أن يكون محذوفاً وتقديره : لتبعثن لدلالة ما بعده عليه ، قاله الفراء .

وقال محمد بن عليّ الحكيم الترمذي : الجواب : { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } ، والمعنى فيما اقتصصت من ذكر يوم القيامة وذكر موسى عليه السلام وفرعون .

قال ابن الانباري : وهذا قبيح لأن الكلام قد طال .

وقيل : اللام التي تلقى بها القسم محذوفة من قوله : { يوم ترجف الراجفة } ، أي ليوم كذا ،

{ تتبعها الرادفة } ، ولم تدخل نون التوكيد لأنه قد فصل بين اللام المقدرة والفعل ؛ وقول أبي حاتم هو علي التقديم والتأخير ، كأنه قال : { فإذا هم بالساهرة } .

{ والنازعات } ، قال ابن الأنباري : خطأ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام .

وقيل : التقدير : { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } ، { والنازعات } على التقديم والتأخير أيضاً وليس بشيء .

وقيل : الجواب : { هل أتاك حديث موسى } ، لأنه في تقدير قد أتاك وليس بشيء ، وهذا كله إعراب من لم يحكم العربية ، وحذف الجواب هو الوجه ، ويقرب القول بحذف اللام من { يوم ترجف } .