فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا} (5)

{ فالمدبرات أمرا } قال علي هي الملائكة تدبر أمر العباد من السنة إلى السنة . وعنه يدبرون ذكر الرحمان وأمره ، وقال ابن عباس ملائكة يكونون مع ملك الموت يحضرون الموتى عند قبض أرواحهم فمنهم من يعرج بالروح ، ومنهم من يؤمن على الدعاء ، ومنهم من يستغفر للميت حتى يصلى عليه ويدلى في حفرته ، قال القشيري اجمعوا على أن المراد هنا الملائكة .

وقال الماوردي في قولان : ( أحدهما ) الملائكة وهو قول الجمهور ، والثاني إنها الكواكب السبع ، حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل ، وفي تدبيرها الأمر وجهان ( أحدهما ) تدبر طلوعها وأفولها ( الثاني ) تدبر ما قضاه الله فيها من الأحوال .

ومعنى تدبير الملائكة للأمر نزولها بالحلال والحرام وتفصيلها والفاعل للتدبير في الحقيقة وإن كان هو الله عز وجل لكن لما نزلت الملائكة به وصفت به ، وقيل إن الملائكة لما أمرت بتدبير أهل الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك قيل لها مدبرات .

قال عبد الرحمان بن ساباط تدبير أمر الدنيا إلى أربعة من الملائكة جبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل ، أما جبريل فموكل بالرياح والجنود ، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات ، وأما عزرائيل فموكل بقبض الأنفس ، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم .

وجواب القسم بهذه الأمور التي أقسم الله بها محذوف أي والنازعات وكذا وكذا لتبعثن . قال الفراء وحذف لمعرفة السامعين به ويدل عليه قوله { أإذا كنا عظاما نخرة } وقيل إن جواب القسم لقوله { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } أي أن في يوم القيامة وذكر موسى وفرعون لعبرة لمن يخشى ، قال ابن الأنباري وهذا قبيح لأن الكلام قد طال بينهما .

وقيل جواب القسم { هل أتاك حديث موسى } لأن المعنى قد أتاك وهذا ضعيف جدا .

وقيل الجواب { يوم ترجف الراجفة } على تقدير ليوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة .

قال السجستاني : يجوز أن يكون هذا من التقديم والتأخير كأنه قال فإذا هم بالساهرة والنازعات ، قال ابن الأنباري وهذا خطأ لأن الفاء لا يفتتح بها الكلام والأول أولى .

وقال الكرخي الفاء فيهما للدلالة على ترتبها بغير مهلة ، وهو من عطف المقسم به والمعطوف بالواو من عطف الصفات بعضها على بعض ، والعطف مع اتحاد الكل بتنزيل التغاير العنواني منزلة التغاير الذاتي للإشعار بأن كل واحد من الأوصاف المعدود من معظمات الأمور حقيق بأن يكون على حياله مناطا لاستحقاق موصوفه للإجلال والإعظام بالإقسام به من غير انضمام الأوصاف الأخر إليه .