شاقّوا الرسول : عادوه وخالفوه .
بعد أن بيّن الله تعالى حال المنافقين ذكَر هنا حال أساتذتهم اليهود الذين كفروا بالله وصدّوا الناس عن الإسلام بخبثهم ومكرهم ، وعادَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم . وقد تبين لهم صدقُه وأنه رسولُ من عند الله ، وعندهم وصفُه في التوراة . . فهؤلاء لن يضروا الله شيئا ، وإنما يضرّون أنفسَهم ، وسيحبط الله مكايدَهم التي نصبوها للإسلام والمسلمين .
{ إن الذي كفروا } : أي بالله ولقائه ورسوله وما جاء به من الدين الحق .
{ وصدوا عن سبيل الله } : أي عن الإِسلام .
{ وشاقوا الرسول } : أي خالفوه وعادوه وحاربوه .
{ من بعد ما تبيّن لهم الهدى } : أي عرفوا الرسول حق والإِسلام حق كاليهود وغيرهم .
{ لن يضروا لله شيئا } : أي من الضرر لأنه متعال أن يناله خلقه بضرر .
{ وسيحبط أعمالهم } : أي يبطلها فل تثمر لهم ما يرجونه منها في الدنيا والآخرة .
وقوله جل ذكره { أن الذين كفروا } أي كذبوا الله ورسوله { وصدوا عن سبيل الله } أي الإِسلام فصرفوا الناس عنه بأي سبب من الأسباب ، { وشاقوا الرسول } أي خالفوه وعادوه وحاربوه { من بعد ما تبيّن لهم الهدى } أي ظهر لهم الحق وأن الرسول حق والإِسلام حق بالحجج والبراهين هؤلاء الكفرة لن يضربوا الله شيئا من الضرر لتنزهه عن صفات المحدثين من خلقه ولامتناعه تعالى وعزته ، { وسيحبط أعمالهم } أي يبطلها عليهم فلا ينالون ما يؤملون في الدنيا بذهاب كيدها وخيبة أملهم إذ ينصر الله رسوله ويعلي كلمته ، وفي الآخرة لأن أعمال المشرك والكافر باطلة حابطة لا ثواب عليها سوى ثواب الجزاء المهين .
- أعمال المشرك والكافر باطلة لا ثواب خير عليها لأن الشرك محبط للأعمال الصالحة .
{ 32 } { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ }
هذا وعيد شديد لمن جمع أنواع الشر كلها ، من الكفر بالله ، وصد الخلق عن سبيل الله الذي نصبه موصلا إليه .
{ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى } أي : عاندوه وخالفوه عن عمد وعناد ، لا عن جهل وغي وضلال ، فإنهم { لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا } فلا ينقص به ملكه .
{ وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } أي : مساعيهم التي بذلوها في نصر الباطل ، بأن لا تثمر لهم إلا الخيبة والخسران ، وأعمالهم التي يرجون بها الثواب ، لا تقبل لعدم وجود شرطها .
قوله تعالى : " إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله " يرجع إلى المنافقين أو إلى اليهود . وقال ابن عباس : هم المطعمون يوم بدر . نظيرها : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله " [ الأنفال : 36 ] الآية{[13961]} . " وشاقوا الرسول " أي عادوه وخالفوه . " من بعد ما تبين لهم الهدى " أي علموا أنه نبي بالحجج والآيات . " لن يضروا الله شيئا " بكفرهم . " وسيحبط أعمالهم " أي ثواب ما عملوه .
ولما جرت{[59894]} العادة بأن الإنسان لا يعذب ولا{[59895]} يهدد إلا من ضره كما تقدم من الإخبار بنكالهم وقبيح أعمالهم مهيئاً{[59896]} للسؤال عن ذلك فاستأنف قوله مؤكداً لظنهم أنهم هم{[59897]} الغالبون لحزب الله : { إن الذين كفروا } أي غطوا من دلت عليه عقولهم من ظاهر آيات الله لا سيما بعد إرسال الرسول المؤيد بواضح المعجزات صلى الله عليه وسلم { وصدوا } أي امتنعوا ومنعوا غيرهم زيادة في كفرهم { عن سبيل الله } أي الطريق الواضح الذي نهجه الملك الأعظم .
ولما كان أكثر السياق للمساترين بكفرهم{[59898]} ، أدغم في قوله : { وشاقوا الرسول } أي الكامل في الرسلية المعروفة غاية المعرفة .
ولما كان سبحانه قد عفا عن إهمال الدليل العقلي على الوحدانية قبل الإرسال ، قال مثبتاً الجار إعلاماً بأنه لا يغفر لمضيعه بعد الإرسال ولو في أدنى وقت : { من بعد ما تبين } أي غاية التبين بالمعجز{[59899]} { لهم الهدى } {[59900]}بحيث صار ظاهراً بنفسه غير محتاج بما أظهره الرسول من الخوارق إلى مبين ، ومنه ما أخبرت به الكتب القديمة الإليهة .
ولما كان المناصب للرسول إنما ناصب من أرسله ، دل على ذلك بقوله معرياً له من الفاء دلالة على عدم التسبيب{[59901]} بمعنى أن عدم هذا الضر موجود عملوا أو لم يعملوا وجدوا أو لم يوجدوا{[59902]} { لن يضروا الله } أي ملك الملوك ، ولم يقل : الرسول { شيئاً } أي كثيراً ولا قليلاً من ضرر بما تجمعوا عليه من الكفر والصد .
ولما كان التقدير : إنما ضروا أنفسهم ناجزاً بأنهم أتعبوها مما لم {[59903]}يغن عنهم{[59904]} شيئاً . عطف عليه : { وسيحبط } أي يفسد{[59905]} فيبطل بوعد لا خلق فيه { أعمالهم * } من المحاسن لبنائها من المنافق على غير أساس ثابت ، فهو إنما يرائي بها ، ومن المجاهر على غير-{[59906]} أساس أصلاً ، فلا ينفعهم شيء منها ، ومن المكايد التي يريدون بها توهين الإسلام ونجعل تدميرهم بها في تدبيرهم وإن تناهوا في إحكامها ، فلا تثمر لهم إلا عكس مرادهم سواء{[59907]} .