فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗا وَسَيُحۡبِطُ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (32)

{ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } المراد بهؤلاء المنافقون ، وقيل : أهل الكتاب ، وقيل : هم المطمعون يوم بدر من المشركين ، وقيل : نزلت في قريظة والنضير ، ومعنى صدهم منعهم للناس عن الإسلام ، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم { وشاقوا الرسول } أي عادوه وخالفوه { من بعد ما تبين لهم الهدى } أي علموا أنه صلى الله عليه وسلم نبي من عند الله سبحانه وتعالى ، بما شاهدوا من المعجزات الواضحة ، والحجج القاطعة { لن يضروا الله } ورسوله { شيئا } بتركهم الإيمان ، وإصرارهم على الكفر ، وما ضروا إلا أنفسهم .

{ وسيحبط أعمالهم } أي يبطلها ، والمراد بهذه الأعمال ما صورته صورة أعمال الخير ، كإطعام الطعام ، وصلة الأرحام ، وسائر ما كانوا يفعلونه من الخير ، وإن كانت باطلة من الأصل ، لأن الكفر مانع ، وقيل : المراد بالأعمال المكايد التي نصبوها لإبطال دين الله والغوائل التي كانوا يبغونها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم أمر سبحانه عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } فيما أمرتم به من الشرائع المذكورة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نهاهم عن أن يبطلوا أعمالهم كما أبطلت الكفار أعمالهم بالإصرار على الكفر ، فقال :

{ ولا تبطلوا أعمالكم } قال الحسن : أي لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي ، وقال الزهري : بالكبائر وهو الأولى ، وقال الكلبي وابن جريج : بالرياء والسمعة ، وقال مقاتل : بالمن ، وقال عطاء : بالنفاق والشرك ، قلت : والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال ، كائنا ما كان ، من غير تخصيص بنوع معين ، عن أبي العالية قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل ، حتى نزلت هذه الآية ، فخافوا أن يبطل الذنب العمل ، وفي لفظ فخافوا الكبائر أن تحبط أعمالهم .