جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى"؛
فقال بعضهم : معنى ذلك : وحّد الله ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وذكر الله ودعاه ورغب إليه ...
والصواب من القول في ذلك : أن يقال : وذكر الله فوحّده ، ودعاه ورغب إليه ، لأن كلّ ذلك من ذكر الله ، ولم يخصُصِ الله تعالى من ذكره نوعا دون نوع .
وقوله : "فَصَلّى" اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ؛ فقال بعضهم : عُنِي به : فصّلى الصلوات الخمس ...
وقال آخرون : عني به : صلاة العيد يوم الفطر .
وقال آخرون : بل عُني به : وذكر اسم ربه فدعا، وقالوا : الصلاة ها هنا : الدعاء .
والصواب من القول أن يقال : عُنِي بقوله : فَصَلّى : الصلوات ، وذكر الله فيها بالتحميد والتمجيد والدعاء .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يحتمل أن يكون أريد به أنواع العبادات لا الصلاة المعروفة وحدها ، لأن الصلاة اسم للدعاء والثناء والأنواع من الكرامات . فإنه يقول : بذكر الرب ما يصل إلى العبادات ، ومن أعرض عن ذكره حرم من العبادات ، أو يكون منصرفا إلى الصلاة المعروفة ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ وذكر } أي بالقلب واللسان ....{ اسم ربه } أي صفات المحسن إليه فإنه إذا ذكر الصفة سر بها فأفاض باطنه على ظاهره ذكر اللفظ الدال عليها ، وإذا ذكر ذلك اللفظ وهو الاسم الدال عليها انطبع في قلبه ذكر المسمى { فصلّى } أي الصلاة الشرعية لأنها أعظم الذكر ، فهي أعظم عبادات البدن كما أن الزكاة أعظم عبادات المال ....
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
( فصلى ) . . إما بمعنى خشع وقنت . وإما بمعنى الصلاة الاصطلاحي ، فكلاهما يمكن أن ينشأ من التذكر واستحضار جلال الله في القلب ، والشعور بمهابته في الضمير . . هذا الذي تطهر وذكر وصلى ( قد أفلح )يقينا . أفلح في دنياه ، فعاش موصولا ، حي القلب ، شاعرا بحلاوة الذكر وإيناسه . وأفلح في أخراه ، فنجا من النار الكبرى ، وفاز بالنعيم والرضى . ...
الثالثة- قوله تعالى : " وذكر اسم ربه فصلى " أي ذكر ربه . وروى عطاء عن ابن عباس قال : يريد ذكر معاده وموقفه بين يدي اللّه جل ثناؤه ، فعبده وصلى له . وقيل : ذكر اسم ربه بالتكبير في أول الصلاة ، لأنها لا تنعقد إلا بذكره ، وهو قوله : اللّه أكبر : وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح ، وعلى أنها ليست من الصلاة ؛ لأن الصلاة معطوفة عليها . وفيه حجة لمن قال : إن الافتتاح جائز بكل اسم من أسماء اللّه عز وجل . وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء . وقد مضى القول في هذا في أول سورة " البقرة " {[15979]} . وقيل : هي تكبيرات العيد . قال الضحاك : " وذكر اسم ربه " في طريق المصلى " فصلى " ؛ أي صلاة العيد . وقيل : " وذكر اسم ربه " وهو أن يذكره بقلبه عند صلاته ، فيخاف عقابه ، ويرجو ثوابه ؛ ليكون استيفاؤه لها ، وخشوعه فيها ، بحسب خوفه ورجائه . وقيل : هو أن يفتتح أول كل سورة ب بسم اللّه الرحمن الرحيم . " فصلى " أي فصلى وذكر . ولا فرق بين أن تقول : أكرمتني فزرتني ، وبين أن تقول : زرتني فأكرمتني . قال ابن عباس : هذا في الصلاة المفروضة ، وهي الصلوات الخمس . وقيل : الدعاء ، أي دعاء اللّه بحوائج الدنيا والآخرة . وقيل : صلاة العيد . قاله أبو سعيد الخدري وابن عمر وغيرهما . وقد تقدم . وقيل : هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاته ، قاله أبو الأحوص ، وهو مقتضى قول عطاء . وروي عن عبد الله قال : من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له .
ولما كان أعظم الأعمال المزكية الذكر والصلاة قال تعالى : { وذكر } أي بالقلب واللسان ذكر وذكر - بالكسر والضم { اسم ربه } أي صفات المحسن إليه فإنه إذا ذكر الصفة سر بها فأفاض باطنه على ظاهره ذكر اللفظ الدال عليها ، وإذا ذكر ذلك اللفظ وهو الاسم الدال عليها انطبع في قلبه ذكر المسمى { فصلّى * } أي الصلاة الشرعية لأنها أعظم الذكر ، فهي أعظم عبادات البدن كما أن الزكاة أعظم عبادات المال{[72936]} ، ومن فعل ذلك استراح من داء الإعجاب وما يتبعه من النقائص الموجبة لسوء الانقلاب ، وكان متخلقاً بما ذكر من أخلاق الله في أول السورة من التخلي عن النقائص بالتزكية{[72937]} ، والتحلي بالكمالات بالذكر والصلاة لأنه لعظمته لا يتأهل لذكره إلا من واظب إلى ذكر-{[72938]} اسمه فلا يشقى فلا يصلى النار الكبرى بوعد لا خلف فيه{[72939]} - فالآية{[72940]} من الاحتباك في الاحتباك : ذكر أولاً الصلى دليلاً على حذف{[72941]} ضده ثانياً ، وثانياً التزكية دليلاً على حذف ضدها أولاً ، وقد تكفل ذكر التزكية والذكر ، والصلاة من أسباب التداوي{[72942]} بالإنضاج ثم الأشربة ثم الأغذية ، والآية صالحة لإرادة زكاة الفطر وتكبيرات العيد وصلاته وإن كانت السورة مكية وفرض الصيام بالمدينة ، لأن العبرة بعموم اللفظ لإحاطة علمه سبحانه وتعالى بالماضي والحال{[72943]} والاستقبال على حد سواء ؛ قال الرازي في اللوامع : وتقدم زكاة الفطر على صلاة العيد ، وكان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه يقول : رحم الله امرأً تصدق ثم صلى - ثم يقرأ هذه الآية ، وإن كانت السورة مكية ، فإنه يجوز أن يكون النزول سابقاً على الحكم كما قال تعالى :
( وأنت حل بهذا البلد }[ البلد : 2 ] والسورة مكية ، وظهر أثر الحل يوم الفتح - انتهى ، وأخذه{[72944]} من البغوي ، وزاد البغوي{[72945]} أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يأمر نافعاً رضي الله عنه بنحو ما قال ابن مسعود رضي الله عنه ، ويقول : إنما نزلت هذه الآية في هذا . وروى البزار{[72946]} : " عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بزكاة الفطر قبل أن يصلي صلاة العيد ويتلو{[72947]} هذه الآية " وفي السند كثير بن عبد الله - حسّن له الترمذي وضعفه غيره - {[72948]}والله أعلم{[72949]} .