تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم انقطع الكلام، قال عز وجل: {قل إنما أدعوا ربي} وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة: إنك جئت بأمر عظيم لم نسمع مثله قط، وقد عاديت الناس كلهم، فارجع عن هذا الأمر، فأنزل الله تعالى: {قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا} معه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: " قُلْ إنّمَا أدْعُو رَبي":
فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين على وجه الخبر «قال» بالألف، ومن قرأ ذلك كذلك، جعله خبرا من الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال، فيكون معنى الكلام: وأنه لما قام عبد الله يدعوه تلبدوا عليه، قال لهم::إنما أدعو ربي، ولا أشرك به أحدا".
وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قرّاء الكوفة على وجه الأمر من الله عزّ وجلّ لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل" يا محمد للناس الذين كادوا يكونوا عليك لبدا، "إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا". والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ففيه إخبار عن دينه أن دينه التوحيد: لا إشراك بالله تعالى، وإخبار عمّا يدعو الخلق إليه؛ وذلك توحيد الله تعالى والقيام بطاعته.
وجائز أن يكون هذا على إثر سؤال منهم ودعوتهم إلى عبادة الأصنام على ما ذكر في الأخبار أنهم قالوا: إنّا نعبد إلهك يوما، وتعبد آلهتنا يوما.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
(قال) للمتظاهرين عليه {إِنَّمَآ أَدْعُو رَبِّى} يريد: ما أتيتكم بأمر منكر، إنما أعبد ربي وحده {وَلآ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} وليس ذاك مما يوجب إطباقكم على مقتي وعداوتي. أو قال للجن عند ازدحامهم متعجبين: ليس ما ترون من عبادتي الله ورفضي الإشراك به بأمر يتعجب منه، إنما يتعجب ممن يدعو غير الله ويجعل له شريكاً.
أو قال الجن لقومهم ذلك حكاية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وعندما تنتهي حكاية مقالة الجن عن هذا القرآن، وعن هذا الأمر، الذي فاجأ نفوسهم، وهز مشاعرهم وأطلعهم على انشغال السماء والأرض والملائكة والكواكب بهذا الأمر؛ وعلى ما أحدثه من آثار في نسق الكون كله؛ وعلى الجد الذي يتضمنه، والنواميس التي تصاحبه. عندما ينتهي هذا كله يتوجه الخطاب إلى الرسول [صلى الله عليه وسلم] في إيقاعات جادة صارمة حاسمة، بالتبليغ، والتجرد من هذا الأمر كله بعد التبليغ، والتجرد كذلك من كل دعوى في الغيب أو في حظوظ الناس ومقادرهم.. وذلك كله في جو عليه مسحة من الحزن والشجى تناسب ما فيه من جد ومن صرامة.
ولما استشرفت{[69199]} - على قراءة الكسر - نفس السامع إلى قوله صلى الله عليه وسلم لمن تراكموا عليه من ذلك ، استأنف{[69200]} الجواب بقوله مبيناً لما يستحيل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من دعاء غير الله ومن ترك الدعاء إليه من مخالفة شيء من أمره قال ، أو{[69201]} لما تاقت نفسه صلى الله عليه وسلم على قراءة الفتح إلى ما يدفع به ما رأى منهم ، قال تعالى مرشداً له إلى ذلك : { قل } أي لمن ازدحم عليك عاداً لهم عداد الجاهلين بما تصنع لأنهم عملوا عمل الجاهل : { إنما أدعوا } أي دعاء العبادة { ربي } أي الذي أوجدني ورباني ولا نعمة عندي إلا منه وحده ، لا أدعو غيره حتى تعجبوا مني فتزدحموا عليّ والظاهر المتبادر إلى الفهم أن المعنى : وأوحي إليّ أي{[69202]} لما قمت في الصلاة{[69203]} أعبد الله في بطن نخلة ورآني الجن الذين وجههم إبليس نحو تهامة و{[69204]}سمعوا القرآن ازدحموا عليّ حتى كادوا يغشونني ويكون بعضهم على بعض فسمعوا توحيدي لله وتمجيدي له وإفراده {[69205]}بالقدرة والعلم{[69206]} وجميع صفات الكمال آمنوا ، وقيل : هو حكاية الجن لقومهم{[69207]} عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه وراءه{[69208]} في تراصهم في صلاتهم وحفوفهم به ووعظه وتعليمه لهم ، ويحكى هذا القول عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وسعيد بن جبير{[69209]} فإن ذلك هيئة غريبة ، يحكى أن ملك الفرس أرسل من دخل في{[69210]} المسلمين لما قصدوا بلاده فكان مما حكي له عنهم أن قال : إذا صلوا{[69211]} صفوا أنفسهم{[69212]} صفوفاً ويقدمهم رجل يقومون بقيامة ويسجدون بسجوده ويقعدون بقعوده ويفعلون كفعله ، لا تخالف بينهم ، فلما سمع الملك ذلك راعه وقال : ما لي ولهؤلاء ، ما لي ولعمر ، ونقل أبو حيان{[69213]} عن مكحول أنه بلغ من تابع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن سبعين ألفاً وفرغوا عند{[69214]} انشقاق الفجر .
ولما كان الداعي لولي نعمته يمكن أن يكون أشرك غيره في دعائه ولو بأدنى وجوه الإشراك ، ويكون الحصر باعتبار الأغلب فاستحق الإنكار عليه{[69215]} والازدحام ، نفى ذلك بقوله تأكيداً لمعنى الحصر وتحقيقاً له : { ولا أشرك به } أي الآن ولا في{[69216]} مستقبل الزمان بوجه من الوجوه { أحداً * } من ود وسواع ويغوث وغيرها من الصامت والناطق .
قوله : { قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا } لما آذى المشركون النبي صلى الله عليه وسلم وكذبوه تكذيبا وتمالئوا على صده عن الدعوة إلى الله ، ليبطلوا ما جاءهم به من الحق أمره الله أن يقول لهم { إنما أدعوا ربي } أي إنما أعبد الله وحده فهو ربي وخالقي ، أفوّض إليه أمري وعليه أعتمد وأتوكل { ولا أشرك به أحدا } لا أعبد أحدا سواه ولا أتخذ من دونه إلها آخر إنما هو الإله الخالق الواحد .