تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ يَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (39)

الآية 39 وقوله تعالى : { قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } هذا يحتمل وجهين :

أحدهما : على الإياس منهم أنهم لا يؤمنون ، ولا يجيبون إلى ما دعوا إليه بعد ما أقيم عليهم الحُجج والبراهين . كأنه يقول : أنيبوا أنتم إلى دينكم ، واعملوا له ، ونُنيب نحن إلى ديننا ، ونعمل له ، فسوف تعلمون أننا على الحق نحن أو أنتم ، وهو كقوله : { لكم دينكم ولي دين } [ الكافرون : 6 ] أي لا أدين أنا بدينكم ، ولا أنتم تدينون بديننا ، ولكن يلزم كل منا دينه الذي عليه . فعلى ذلك الأول .

والثاني : على التوبيخ لهم والتعبير ؛ يقول : اعملوا على مكانتكم أنتم مما تقدرون من الكيد والمكر لي ، وأنا عامل ذلك بمكانتكم كقوله عز وجل : { ثم كيدون فلا تُنظرونِ } [ الأعراف : 195 ] وغير ذلك من الآيات التي فيها ذكر توبيخهم وتعييرهم ، وفي هذه الآية وفي ما تقدم من وقوله عز وجل : { أليس الله بكاف عبده ويخوّفونك بالذين من دونه } [ الزمر : 36 ] والله أعلم .

إلى هذا الموضع تقرير وتوبيخ ومُنابَزة وإياس . فأما الإياس فهو لي في قوله : { يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ } والتقرير في قوله : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله } والمنابزة في وقوله : { قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } والتوبيخ في قوله : { أليس الله بكاف عبده ويخوّفونك بالذين من دونه } .

ثم جائز أن يكون قوله : { ومن يضلل الله فما له من هاد } { ومن يهد الله فما له من مُضلّ } يخرّج على الصلة لقوله : { أليس الله بكاف عبده ويخوّفونك بالذين من دونه } كأنه يقول : من أضل الله حتى لا يعلم أن الله ، هو كاف عبده ، وأن ما يخوّفون به لا{[17947]} يقع به خوف ، ولا يلحق به ضرر ، فلا هادي له ، ومن هداه ، فعرف ذلك ، فلا مُضلّ له عن ذلك ، والله أعلم بذلك .


[17947]:في الأصل وم: ولا.