تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ} (41)

الآية 41 وقوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ } هذا كأنه ، والله أعلم { إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ } لتحكم بين الناس بالعدل على ما ذكر في آية أخرى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ } [ النساء : 105 ] فعلى ذلك هذا ، ويكون قوله : { فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } أنشأ الله عز وجل البشر درّاكا مميِّزا بين الخبيث والطيب وبين الحسن والقبيح وبين ما لهم وما عليهم وبين السبيلين جميعا غاية البيان ، وأوضح كل سبيل نهاية الإيضاح أنه{[17948]} من سلكه إلى ماذا يُفضيه ، وينهيه .

ثم امتحنهم في ذلك ، ومكّن لهم من السلوك في كل أحد من السبيلين بعد البيان منه أنه من سلك سبيل كذا ، ومن سلك سبيل كذا أفضاه إلى كذا امتحانا منه .

ثم أخبر أنه في ما امتحنهم [ لم يمتحنهم ]{[17949]} لمنفعة ترجع إليه أو لمضرة تدفع عن نفسه . ولكن إنما امتحنهم لمنفعة ترجع إليهم إذا اختاروا ترك سلوك سبيل الباطل ، وهو ما ذكرنا في غير آية{[17950]} من القرآن :

أحدها : هذا [ في ما ]{[17951]} قال : { فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنما يضل عليها } .

والثاني : بما قال عز وجل { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } [ الإسراء : 7 ] وغير ذلك من الآيات التي تبين أنه إنما امتحنهم لمنفعة أنفسهم واكتساب الخير الدائم لهم ، ولا قوة إلا بالله .

وقوله تعالى : { وما أنت عليهم بوكيل } يخبر أن ليس عليك إلا تبليغ ما أُرسلت ، وأُمرت تبليغه إليهم كقوله تعالى : { إن عليك إلا البلاغ } [ الشورى : 48 ] وقوله عز وجل : { فإنما عليه ما حُمّل وعليكم ما حُمّلتم } [ النور : 54 ] وقوله تعالى : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ } [ الأنعام : 52 ] وقوله تعالى : { فما أرسلناك عليهم حفيظا } [ النساء : 80 ] والوكيل الحفيظ ، والله أعلم .


[17948]:أدرجت في الأصل وم: بعد سلكه.
[17949]:من م، ساقطة من الأصل.
[17950]:في الأصل وم: آي.
[17951]:في الأصل وم: حيث.