قوله عز وجل : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } فيسلم { فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } أي يجعل الله في صدره النور إذا أسلم حتى يبصر الحق وحججه وبراهينه بصورة الحق أنه حق ، والباطل أنه باطل وأنه تمويه ؛ يبصر كل شيء بذلك النور على ما هو حقيقة أنه حق وباطل ، فيأخذ الحق ، ويعمل به ، ويترك الباطل ، ويجتنيه ، والله أعلم .
ويحتمل أن يكون قوله : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } يكون نوره هو إسلامه الذي هداه ، شرح الله صدره بنوره حتى أسلم ، وهو ما روي في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سئل : هل ينشرح الصدر للإسلام ؟ وكيف ينشرح ؟ قال نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا دخله النور انشرح لذلك الصدر ، وانفسح له ) [ السيوطي في الدر المنثور 7/219 ] أخبر أن النور إذا دخل الصدر انشرح لذلك الصدر وانفسح له بذلك النور ، والله أعلم .
وجائز أيضا أن يكون قوله عز وجل : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } في الدنيا { فهو على نور من ربه } في الآخرة كقوله عز وجل : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } [ التحريم : 8 ] والذين كفروا طبع الله على قلوبهم ، فبظلم وبفسق لما بقوا في الظلمة أبدا ، والله أعلم .
ومنهم من قال : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } الإسلام نفسه إذا أسلم { فهو على نور من ربه } : أيٍ كتاب الله ، قال هذا المؤمن به ، يأخذ كتاب الله وإليه . ينتهي .
ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم هل لذلك أي لانشراح الصدر للإسلام علامة ؟ فقال : ( نعم التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل حلول الموت ) [ القرطبي في تفسيره : 7/74 ] فهذا في التحقيق ليس في المعاملة في العمل ، ولكن في الاعتقاد ، أي يتجافى عن دار الغرور ، وينيب إلى دار الخلود ؛ يتزود من الدنيا للآخرة .
ثم قوله : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } يحتمل أن يكون على الاستفهام على ما ذكر ، ويحتمل ألا يكون على الاستفهام ، ولكن على الإيجاب . فإن كان على هذا فهو على إسقاط الألف : فمن { شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } الآية كقوله في آية أخرى : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا } [ الأنعام : 125 ] .
فعلى ذلك يحتمل أن تكون هذه الآية على هذا ، والله أعلم . وإن كان على الاستفهام فلا بد أن يكون له مقابل ، يعرف ذلك بدليل أنه جوابه .
ثم قال بعضهم : جوابه في قوله : { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ } كأنه يقول : ليس المنشرح صدره بالإسلام كالقاسي قلبه بالكفر ، وهو قول الكسائي .
وجائز أن يكون جوابه ومقابله ما تقدم ذكره ، وهو قوله : { أفمن حق عليه كلمة العذاب } الآية [ الزمر : 19 ] كأنه يقول : أفمن حق عليه العذاب كمن شرح صدره للإسلام ؟ أي ليس من وجب عليه العذاب كمن { شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.