تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (22)

قوله عز وجل : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } فيسلم { فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } أي يجعل الله في صدره النور إذا أسلم حتى يبصر الحق وحججه وبراهينه بصورة الحق أنه حق ، والباطل أنه باطل وأنه تمويه ؛ يبصر كل شيء بذلك النور على ما هو حقيقة أنه حق وباطل ، فيأخذ الحق ، ويعمل به ، ويترك الباطل ، ويجتنيه ، والله أعلم .

ويحتمل أن يكون قوله : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } يكون نوره هو إسلامه الذي هداه ، شرح الله صدره بنوره حتى أسلم ، وهو ما روي في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سئل : هل ينشرح الصدر للإسلام ؟ وكيف ينشرح ؟ قال نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا دخله النور انشرح لذلك الصدر ، وانفسح له ) [ السيوطي في الدر المنثور 7/219 ] أخبر أن النور إذا دخل الصدر انشرح لذلك الصدر وانفسح له بذلك النور ، والله أعلم .

وجائز أيضا أن يكون قوله عز وجل : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } في الدنيا { فهو على نور من ربه } في الآخرة كقوله عز وجل : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } [ التحريم : 8 ] والذين كفروا طبع الله على قلوبهم ، فبظلم وبفسق لما بقوا في الظلمة أبدا ، والله أعلم .

ومنهم من قال : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } الإسلام نفسه إذا أسلم { فهو على نور من ربه } : أيٍ كتاب الله ، قال هذا المؤمن به ، يأخذ كتاب الله وإليه . ينتهي .

ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم هل لذلك أي لانشراح الصدر للإسلام علامة ؟ فقال : ( نعم التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل حلول الموت ) [ القرطبي في تفسيره : 7/74 ] فهذا في التحقيق ليس في المعاملة في العمل ، ولكن في الاعتقاد ، أي يتجافى عن دار الغرور ، وينيب إلى دار الخلود ؛ يتزود من الدنيا للآخرة .

ثم قوله : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } يحتمل أن يكون على الاستفهام على ما ذكر ، ويحتمل ألا يكون على الاستفهام ، ولكن على الإيجاب . فإن كان على هذا فهو على إسقاط الألف : فمن { شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } الآية كقوله في آية أخرى : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا } [ الأنعام : 125 ] .

فعلى ذلك يحتمل أن تكون هذه الآية على هذا ، والله أعلم . وإن كان على الاستفهام فلا بد أن يكون له مقابل ، يعرف ذلك بدليل أنه جوابه .

ثم قال بعضهم : جوابه في قوله : { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ } كأنه يقول : ليس المنشرح صدره بالإسلام كالقاسي قلبه بالكفر ، وهو قول الكسائي .

وجائز أن يكون جوابه ومقابله ما تقدم ذكره ، وهو قوله : { أفمن حق عليه كلمة العذاب } الآية [ الزمر : 19 ] كأنه يقول : أفمن حق عليه العذاب كمن شرح صدره للإسلام ؟ أي ليس من وجب عليه العذاب كمن { شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه } والله أعلم .