تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إلا من خطف} من الشياطين {الخطفة} يخطف من الملائكة.
{فأتبعه شهاب ثاقب} من الملائكة الكواكب، يعني بالشهاب الثاقب، نارا مضيئة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"إلاّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ" يقول: إلا من استرق السمع منهم "فأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ "يعني: مضيء متوقد... عن السديّ، قوله: "شِهابٌ ثاقِبٌ" قال: شهاب مضيء يحرقه حين يُرْمى به...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ثم الخطفة إما أن تكون على التمثيل أي موضع الخطف، وإما على حقيقة الخطفة، وهي الاستلاب والأخذ على السرعة.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ}: مسارق فسمع الكلمة.
{فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}: تبعه ولحقه كوكب مضيء قوي لا يخطئه يقتل أو يحرق أو يحيل، وإنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون إليه؛ طمعاً في السلامة ونيل المراد...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
لما أخبر الله تعالى أن الشياطين لا يستمعون إلى الملإ الأعلى ولا يصغون إليهم، أخبر أنهم متى راموا رُمُوا من كل جانب دفعا لهم على أشد الوجوه.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} أي: إلا من اختطف من الشياطين الخطفة، وهي الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى الذي تحته، ويلقيها الآخر إلى الذي تحته، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه، فيذهب بها الآخر إلى الكاهن.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما ثبت بهذا حراسة القرآن بقدرة الملك الديان عن لبس الجان، وكان بعضهم مع هذا يسمع في بعض الأحايين ما أراد الله أن يسمعه ليجعله فتنة لمن أراد من عباده مع تميز القرآن بالإعجاز، استثنى من فاعل {يسمعون} قوله: {إلا من خطف} ودل على قلة ذلك بعد إفراد الضمير بقوله: {الخطفة} أي اختلس الكلمة أو أكثر، مرة من المرات منهم، ودل على قوة انقضاض الكواكب في أثره بالهمزة في قوله: {فأتبعه} مع تعديه بدونها، أي تبعه بغاية ما يكون من السرعة حتى كأنه يسوق نفسه ويتبعها له، كأن الله سبحانه وعز شأنه هيأها لئلا تنقض إلا في أثر من سمع منهم حين سماعه سواء لا يتخلف {شهاب} أي شعلة نار من الكوكب أو غيره
{ثاقب} أي يثقب ما صادفه من جني وغيره، وإن كان الجني من نار فإنه ليس ناراً خالصة، وعلى التنزل فربما كان الشيء الواحد أنواعاً بعضها أقوى من بعض، فيؤثر أقواه في أضعفه كالحديد، وتارة يخطئ الجني وتارة يصيبه، وإذا أصابه فتارة يحرقه فيتلفه وتارة يضعفه...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ} أي تبعَه ولحقَه، وقرئ فأتبعَه، والشِّهابُ ما يُرى منقضاً من السَّماءِ.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
لولا أنه [تعالى] استثنى، لكان ذلك دليلا على أنهم لا يستمعون شيئا أصلا، ولكن قال: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} أي: إلا من تلقف من الشياطين المردة، الكلمة الواحدة على وجه الخفية والسرقة...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
نحن لا نعرف كيف يتسمع الشيطان المارد ولا كيف يخطف الخطفة ولا كيف يرجم بالشهاب الثاقب؛ لأن هذه كلها غيبيات تعجز طبيعتنا البشرية عن تصور كيفياتها، ومجالنا فيها هو تصديق ما جاء من عند الله فيها، وهل نعلم عن شيء في هذا الكون إلا القشور؟!
المهم أن هذه الشياطين التي تمنع من الوصول إلى الملأ الأعلى، ومن التسمع لما يدور فيه هي التي يدعي المدعون أن بينها وبين الله نسباً، ولو كان شيء من هذا صحيحاً لتغير وجه المعاملة، ولما كان مصير الأنسباء والأصهار -بزعمهم- هو المطاردة والرجم والحرق أبداً!...
{إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}
المعنى: أن بعض هؤلاء المردة سيستطيعون خطف بعض الأخبار، لكن لن يتمكنوا من الفرار بها، وتوصيلها إلى أوليائهم. والخطف نوع من حيازة الملكية بدون وجه حق، فلكُلٍّ مِنَّا حيازة وملكية، ولا يُخرِجه عن ملكيته إلا مَنْ يأخذها منه اعتداءً وظلماً، ولهذا الاعتداء والظلم وسائل متعددة منها: الخطف وهو أنْ يُؤخَذ منك الشيء خَطْفاً يعني بسرعة، لكن على مَرْأَىً منك ولا تستطيع منعه؛ لأن الشيء بعيد عن متناول يدك، كالولد الصغير يخطف شيئاً من البائع ويجرى به.
فإنْ كان صاحب الشيء قريباً واستطاع الإمساك به فنازعه المعتدى وتغلَّب عليه وأخذه فهو غَصْب، فإنْ أخذ الشيء دون علم صاحبه فهو سرقة، أما إنْ كان مؤتمناً على المال وأخذ منه فهو اختلاس.. هذه كلها وسائل لحيازة أموال الغير دون وجه حق.
كذلك يخطف الشيطان بعض الأخبار ويحاول الفرار بها، لكن هيهات له ذلك {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} يعني: كوكب ينقضُّ عليه، ومعنى {ثَاقِبٌ} يعني: نافذ يخترق الأجواء، حتى يصل إلى هدفه في أسرع وقت.
فإنْ قُلْتَ: فلماذا لا يُمنع بدايةً من استراق السمع؟ قالوا: فَرْقٌ بين أنْ يُمنَع من الشيء أصلاً، وبين أنْ يناله ثم لا ينفذ به ولا يستفيد منه، إن الله يُمكِّنه من بعض الأخبار بالفعل فيسمعها، لكن تُعاجله الزاجرات والشُّهب من كل ناحية، فتكون حسرته أعظمَ، حسرة أنه تعب وتحمَّل المشاقَّ في استراق السمع والخطف، وحسرة أنه لم ينتفع بما سمع.
قوله تعالى : " إلا من خطف الخطفة " استثناء من قوله : " ويقذفون من كل جانب " وقيل : الاستثناء يرجع إلى غير الوحي ؛ لقوله تعالى : " إنهم عن السمع لمعزولون " [ الشعراء : 212 ] فيسترق الواحد منهم شيئا مما يتفاوض فيه الملائكة ، مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض ، وهذا لخفة أجسام الشياطين فيرجمون بالشهب حينئذ . وروي في هذا الباب أحادث صحاح ، مضمنها : أن الشياطين كانت تصعد إلى السماء ، فتقعد للسمع واحدا فوق واحد ، فيتقدم الأجسر نحو السماء ثم الذي يليه ثم الذي يليه ، فيقضي الله تعالى الأمر من أمر الأرض ، فيتحدث به أهل السماء فيسمعه منهم الشيطان الأدنى ، فيلقيه إلى الذي تحته فربما أحرقه شهاب ، وقد ألقى الكلام ، وربما لم يحرقه على ما بيناه . فتنزل تلك الكلمة إلى الكهان ، فيكذبون معها مائة كذبة ، وتصدق تلك الكلمة فيصدق الجاهلون الجميع كما بيناه في " الأنعام " {[13241]} . فلما جاء الله بالإسلام حرست السماء بشدة ، فلا يفلت شيطان سمع بَتّةً . والكواكب الراجمة هي التي يراها الناس تنقض . قال النقاش ومكي : وليست بالكواكب الجارية في السماء ؛ لأن تلك لا ترى حركتها ، وهذه الراجمة ترى حركتها ؛ لأنها قريبة منا . وقد مضى في هذا الباب في سورة [ الحجر ]{[13242]} من البيان ما فيه كفاية . وذكرنا في " سبأ " {[13243]} حديث أبي هريرة . وفيه ( والشياطين بعضهم فوق بعض ) وقال فيه الترمذي حديث حسن صحيح . وفيه عن ابن عباس : ( ويختطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى أوليائهم فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يحرفونه ويزيدون ) . قال هذا حديث حسن صحيح . والخطف : أخذ الشيء بسرعة ؛ يقال{[13244]} : خَطَفَ وخَطِف وخَطّف وخِطّف وخِطّف . والأصل في المشددات اختطف فأدغم التاء في الطاء لأنها أختها ، وفتحت الخاء ؛ لأن حركة التاء ألقيت عليها . ومن كسرها فلالتقاء الساكنين . ومن كسر الطاء أتبع الكسر الكسر .
قوله تعالى : " فأتبعه شهاب ثاقب " أي مضيء ، قاله الضحاك والحسن وغيرهما . وقيل : المراد كواكب النار تتبعهم حتى تسقطهم في البحر . وقال ابن عباس في الشهب : تحرقهم من غير موت . وليست الشهب التي يرجم الناس بها من الكواكب الثوابت . يدل على ذلك رؤية حركاتها ، والثابتة تجري ولا ترى حركاتها لبعدها . وقد مضى هذا . وجمع شهاب شهب ، والقياس في القليل أشهبة وإن لم يُسمع من العرب و " ثاقب " معناه مضيء ، قاله الحسن ومجاهد وأبو مجلز . ومنه قوله :
أي أضوأ . وحكى الأخفش في الجمع : شُهُبٌ ثُقُبٌ وثواقب وثقاب . وحكى الكسائي : ثقبت النار تثقب ثقابةً وثقوبا إذا اتقدت ، وأثقبتها أنا . وقال زيد بن أسلم في الثاقب : إنه المستوقد ، من قولهم : أثقب زندك أي استوقد نارك ، قاله الأخفش . وأنشد قول الشاعر :
بينما المرءُ شهابٌ ثاقبٌ *** ضَربَ الدَّهْرُ سَنَاهُ فَخَمَدْ
ولما ثبت بهذا حراسة القرآن بقدرة الملك الديان عن لبس الجان ، وكان بعضهم مع هذا يسمع في بعض الأحايين ما أراد الله أن يسمعه ليجعله فتنة لمن أراد من عباده مع تميز القرآن بالإعجاز ، استثنى من فاعل { يسمعون } قوله : { إلا من خطف } ودل على قلة ذلك بعد إفراد الضمير بقوله : { الخطفة } أي اختلس الكلمة أو أكثر ، مرة من المرات منهم ، ودل على قوة انقضاض الكواكب في أثره بالهمزة في قوله : { فأتبعه } مع تعديه بدونها ، أي تبعه بغاية ما يكون من السرعة حتى كأنه يسوق نفسه ويتبعها له كأن الله سبحانه وعز شأنه هيأها لئلا تنقض إلا في أثر من سمع منهم حين سماعه سواء لا يتخلف { شهاب } أي شعلة نار من الكوكب أو غيره { ثاقب * } أي يثقب ما صادفه من جني وغيره وإن كان الجني من نار فإنه ليس ناراً خالصة ، وعلى التنزل فربما كان الشيء الواحد أنواعاً بعضها أقوى من بعض ، فيؤثر أقواه في أضعفه كالحديد ، وتارة يخطئ الجني وتارة يصيبه ، وإذا أصابه فتارة يحرقه فيتلفه وتارة يضعفه .