فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ} (10)

{ إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ } الاستثناء هو من قوله { لا يسمعون } أو من قوله { وَيُقْذَفُونَ } وقيل الاستثناء راجع إلى غير الوحي لقوله : { إنهم عن السمع لمعزولون } بل يخطف الواحد منهم خطفة مما يتفاوض فيه الملائكة ، ويدور بينهم مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض ، والخطف الاختلاس مسارقة وأخذ الشيء بسرعة ، قرأ الجمهور : خطف بفتح الخاء وكسر الطاء مخففة وقرئ بكسرهما وتشديد الطاء وهي لغة تميم بن مر وبكر بن وائل وقرئ بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة : وقرأ ابن عباس بكسرهما مع تخفيف الطاء ، وقيل إن الاستثناء منقطع .

{ فَأَتْبَعَهُ } أي لحقه وتبعه { شِهَابٌ ثَاقِبٌ } أي نجم مضيء أو مستوقد فيحرقه أو يقتله ويخبله ، وربما لا يحرقه ، فيلقى إلى إخوانه ما خطفه وليست الشهب التي ترجم بها هي من الكواكب الثوابت ، بل من غير الثوابت وأصل الثقوب الإضاءة . قال الكسائي : ثقبت النار تثقب ثقابة إذا اتقدت وهذه الآية هي كقوله :

{ إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين } ، قال ابن عباس : إذا رمى الشهاب لم يخطئ ، من رمي به ، وتلا فأتبعه شهاب ثاقب وقال : لا يقتلون بالشهاب ولا يموتون ، ولكنها تحرق وتخبل وتجرح في غير قتل .

قال سليمان الجمل قالوا : إنه ليس المراد أنهم يرمون بأجرام الكواكب بل يجوز أن تنفصل منها شعلة يرمي بها الشيطان والكواكب باقية بحالها ، وهذا كمثل القبس الذي يؤخذ من النار وهي على حالها ويعود الشيطان مرة أخرى مع أنه يعلم أنه يصاب ولا يصل إلى مقصوده رجاء نيل المطلوب . وطمعا في السلامة ، كراكب البحر فإنه يشاهد الغرق أحيانا لكن يعود إلى ركوبه رجاء السلامة ونيل المقصود .